للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَوَقَّعُوا عُدُولَهُ عَنْ تَحْقِيقِ وَعِيدِهِ، فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ مَا قَبْلَهَا وَبَيْنَ جُمْلَةِ:

قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ.

وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: أَتَذَرُ مُوسى مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِغْرَاءِ بِإِهْلَاكِ مُوسَى وَقَوْمِهِ وَالْإِنْكَارِ عَلَى الْإِبْطَاءِ بِإِتْلَافِهِمْ، وَمُوسَى مَفْعُولُ تَذَرُ أَيْ تَتْرُكُهُ مُتَصَرِّفًا وَلَا تَأْخُذُ عَلَى يَدِهِ.

وَالْكَلَامُ عَلَى فِعْلِ تَذَرُ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً فِي الْأَنْعَامِ [٧٠] .

وَقَوْمُ مُوسَى هُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَأُولَئِكَ هم بنوا إِسْرَائِيلَ كُلُّهُمْ وَمَنْ آمَنَ مِنَ الْقِبْطِ.

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِيُفْسِدُوا لَامُ التَّعْلِيلِ وَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الْإِنْكَارِ إِذْ جَعَلُوا تَرْكَ مُوسَى وَقَوْمِهِ مُعَلَّلًا بِالْفَسَادِ، وَهَذِهِ اللَّامُ تُسَمَّى لَامَ الْعَاقِبَةِ، وَلَيْسَتِ الْعَاقِبَةُ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي اللَّامِ حَقِيقَةً وَلَكِنَّهَا مَجَازٌ: شُبِّهَ الْحَاصِلُ عَقِبَ الْفِعْلِ لَا مَحَالَةَ بِالْغَرَضِ الَّذِي يُفْعَلُ الْفِعْلُ لِتَحْصِيلِهِ، وَاسْتُعِيرَ لِذَلِكَ الْمَعْنَى حَرْفُ اللَّامِ عِوَضًا عَنْ فَاءِ التَّعْقِيبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [الْقَصَص: ٨] .

وَالْإِفْسَادُ عِنْدَهُمْ هُوَ إِبْطَالُ أُصُولِ دِيَانَتِهِمْ وَمَا يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ تَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ وَحَثِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَمُغَادَرَةِ أَرْضِ الِاسْتِعْبَادِ.

والْأَرْضِ مَمْلَكَةُ فِرْعَوْنَ وَهِيَ قُطْرُ مِصْرَ.

وَقَوْلُهُ: وَيَذَرَكَ عَطْفٌ عَلَى لِيُفْسِدُوا فَهُوَ داخلي التَّعْلِيلِ الْمَجَازِيِّ، لِأَنَّ هَذَا

حَاصِلٌ فِي بَقَائِهِمْ دُونَ شَكٍّ، وَمَعْنَى تَرْكِهِمْ فِرْعَوْنَ، تَرْكُهُمْ تَأْلِيهَهُ وَتَعْظِيمَهُ، وَمَعْنَى تَرْكِ آلِهَتِهِ نَبْذُهُمْ عِبَادَتَهَا وَنَهْيُهُمُ النَّاسَ عَنْ عِبَادَتِهَا.

وَالْآلِهَةُ جَمْعُ إِلَهٍ، وَوَزْنُهُ أَفْعِلَةٌ، وَكَانَ الْقِبْطُ مُشْرِكِينَ يَعْبُدُونَ آلِهَةً مُتَنَوِّعَةً مِنَ الْكَوَاكِبِ وَالْعَنَاصِرِ وَصَوَّرُوا لَهَا صُوَرًا عَدِيدَةً مُخْتَلِفَةً بِاخْتِلَافِ الْعُصُورِ وَالْأَقْطَارِ، أَشْهَرُهَا (فِتَاحُ) وَهُوَ أَعْظَمُهَا عِنْدَهُمْ وَكَانَ يُعْبَدُ بِمَدِينَةِ (مَنْفِيسَ) ، وَمِنْهَا (رَعْ) وَهُوَ الشَّمْسُ وَتَتَفَرَّعُ عَنْهُ آلِهَةٌ بِاعْتِبَارِ أَوْقَاتِ شُعَاعِ الشَّمْس، وَمِنْهَا (ازيريس) وَ (إِزِيسُ) وَ (هُورُوسُ) وَهَذَا عِنْدَهُمْ ثَالُوثٌ مَجْمُوعٌ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ وَابْنٍ، وَمِنْهَا (تُوتْ) وَهُوَ الْقَمَرُ وَكَانَ عِنْدَهُمْ رَبَّ الْحِكْمَةِ، وَمِنْهَا (أَمُونْ رَعْ) فَهَذِهِ الْأَصْنَامُ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَهُمْ وَهِيَ أَصْلُ إِضْلَالِ عُقُولِهِمْ.

وَكَانَتْ لَهُمْ أَصْنَامٌ فَرْعِيَّةٌ صُغْرَى عَدِيدَةٌ مِثْلَ الْعِجْلِ (إِيبِيسَ) وَمِثْلَ الْجِعْرَانِ وَهُوَ الْجُعَلُ.