وَ (مَا فِي الْأَرْضِ) يَشْمَلُ كل عَزِيز عَلَيْهِم مِنْ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ بَلْ وَأَنْفُسِهِمْ فَهُوَ أَهْوَنُ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَالْمَعْنَى: لَوْ أَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَافْتَدَوْا بِهِ يَوْمَئِذٍ. وَوَجْهُ التَّهْوِيلِ فِي ذَلِكَ هُوَ مَا يَسْتَلْزِمُهُ مِلْكُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنَ الشُّحِّ بِهَا فِي مُتَعَارَفِ النُّفُوسِ، فَالْكَلَامُ تَمْثِيلٌ لِحَالِهِمْ فِي شِدَّةِ الدَّرْكِ وَالشَّقَاءِ بِحَالِ مَنْ لَوْ كَانَ لَهُ مَا ذُكِرَ لِبَذَلَهُ فِدْيَةً مِنْ ذَلِكَ الْعَذَابِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا فِي سُورَةِ الْعُقُودِ. وَتَضَمَّنَ حَرْفُ الشَّرْطِ أَنَّ كَوْنَ مَا فِي الْأَرْضِ لَهُمْ مُنْتَفٍ، فَأَفَادَ أَنْ لَا فِدَاءَ لَهُمْ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ وَهُوَ تَأْيِيسٌ لَهُمْ.
ومِنْ فِي قَوْلِهِ: مِنْ سُوءِ الْعَذابِ بِمَعْنَى لَامِ التَّعْلِيلِ، أَيْ لَافْتَدَوْا بِهِ لأجل الْعَذَاب السيّء الَّذِي شَاهَدُوهُ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْبَدَلِ، أَيْ بَدَلًا عَنْ سُوءِ الْعَذابِ.
وَعُطِفَ عَلَى هَذَا التَّأْيِيسِ تَهْوِيلٌ آخَرُ فِي عِظَمِ مَا يَنَالُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَهُوَ مَا فِي الْمَوْصُولِ مِنْ قَوْلِهِ: مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ مِنَ الْإِيهَامِ الَّذِي تَذْهَبُ فِيهِ نَفْسُ السَّامِعِ إِلَى كُلِّ تَصْوِيرٍ مِنَ الشِّدَّةِ. وَيَجُوزُ جَعْلُ الْوَاوِ لِلْحَالِ، أَيْ لَافْتَدَوْا بِهِ فِي حَالِ ظُهُورِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ.
ومِنَ اللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِ بَدا. ومِنْ ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيْ ظَهَرَ لَهُمْ مِمَّا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمُ الَّذِي لَمْ يَكُونُوا يَظُنُّونَهُ.
وَالِاحْتِسَابُ: مُبَالَغَةٌ فِي الْحِسَابِ بِمَعْنَى الظَّنِّ مِثْلَ: اقْتَرَبَ بِمَعْنَى قَرُبَ. وَالْمَعْنَى:
مَا لَمْ يَكُونُوا يَظُنُّونَهُ وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ مُتَجَاوِزًا أَقْصَى مَا يَتَخَيَّلُهُ الْمُتَخَيَّلُ حِينَ يَسْمَعُ أَوْصَافَهُ، فَلَا الْتِفَاتَ فِي هَذِهِ الْكِنَايَةِ إِلَى كَوْنِهِمْ كَانُوا مُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ فَلَمْ يَكُنْ يَخْطُرُ بِبَالِهِمْ، وَنَظِير هَذَا فِي الْوَعْدِ بِالْخَبَرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السَّجْدَة: ١٧] .
وسَيِّئاتُ جَمْعُ سَيِّئَةٍ، وَهُوَ وَصْفٌ أُضِيفَ إِلَى مَوْصُوفِهِ وَهُوَ الْمَوْصُولُ مَا كَسَبُوا أَيْ مَكْسُوبَاتِهِمُ السَّيِّئَاتِ. وَتَأْنِيثُهَا بِاعْتِبَارِ شُهْرَةِ إِطْلَاقِ السَّيِّئَةِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute