للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالذِّكْرُ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ ذِكْرُ اللَّهِ بِاللِّسَانِ فَإِنَّ إِجْرَاءَهُ عَلَى اللِّسَانِ يُنَبِّهُ الْقُلُوبَ إِلَى مُرَاقَبَتِهِ.

وَهَذَا وَصْفٌ لِحُسْنِ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ وَمُقَايَسَتِهِ بِسُوءِ حَالَةِ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ غَمَرَ الشَّكُّ قُلُوبَهُمْ، قَالَ تَعَالَى: بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا [سُورَة الْمُؤْمِنُونَ: ٦٣] .

وَاخْتِيرَ الْمُضَارِعُ فِي تَطْمَئِنُّ مَرَّتَيْنِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى تَجَدُّدِ الِاطْمِئْنَانِ وَاسْتِمْرَارِهِ وَأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّلُهُ شَكٌّ وَلَا تَرَدُّدٌ.

وَافْتُتِحَتْ جُمْلَةُ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ اهْتِمَامًا بِمَضْمُونِهَا وَإِغْرَاءً بِوَعْيِهِ. وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ لِمَا فِي تَعْرِيفِ الْقُلُوبُ مِنَ التَّعْمِيمِ. وَفِيهِ إِثَارَةُ الْبَاقِينَ عَلَى الْكُفْرِ عَلَى أَنْ يَتَّسِمُوا بِسِمَةِ الْمُؤمنِينَ من التَّدْبِير فِي الْقُرْآنِ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُهُمْ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِذَا عَلِمْتُمْ رَاحَةَ بَالِ الْمُؤْمِنِينَ فَمَاذَا يَمْنَعُكُمْ بِأَنْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ فَإِنَّ تِلْكَ فِي مُتَنَاوَلِكُمْ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ بِمَسَامِعِكُمْ.

وَطُوبَى: مَصْدَرٌ مِنْ طَابَ طِيبًا إِذَا حَسُنَ، وَهِيَ بِوَزْنِ الْبُشْرَى وَالزُّلْفَى، قُلِبَتْ يَاؤُهَا وَاوًا لِمُنَاسَبَةِ الضَّمَّةِ، أَيْ لَهُمُ الْخَيْرُ الْكَامِلُ لِأَنَّهُمُ اطْمَأَنَّتْ قُلُوبُهُمْ بِالذِّكْرِ، فَهُمْ فِي طِيبِ حَالٍ: فِي الدُّنْيَا بِالِاطْمِئْنَانِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالنَّعِيمِ الدَّائِمِ وَهُوَ حُسْنُ الْمَئَابِ وَهُوَ مَرْجِعُهُمْ فِي آخِرِ أَمْرِهِمْ.

وَإِطْلَاقُ الْمَآبِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ آخِرُ أَمْرِهِمْ وَقَرَارِهِمْ كَمَا أَنَّ قَرَارَ الْمَرْءِ بَيْتُهُ يَرْجِعُ إِلَيْهِ بَعْدَ الِانْتِشَارِ مِنْهُ. عَلَى أَنَّهُ يُنَاسِبُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَرْوَاحَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، أَيْ مِنْ عَالَمِ الْمَلَكُوتِ وَهُوَ عَالَمُ الْخُلْدِ فَمَصِيرُهَا إِلَى الْخُلْدِ رُجُوعٌ إِلَى عَالَمِهَا الْأَوَّلِ. وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ فِي الْمُشْرِكِينَ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ.

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لَهُمُ للْملك.