وَالْعِظَامُ: كِنَايَةٌ عَنِ الْجَسَدِ كُلِّهِ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ بِالذكر لحكاية أَقْوَالهم مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس: ٧٨] أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [الْإِسْرَاء: ٤٩] أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً [النازعات: ١١] فَهُمُ احْتَجُّوا بِاسْتِحَالَةِ قَبُولِ الْعِظَامِ لِلْإِعَادَةِ بَعْدَ الْبِلَى، عَلَى أَنَّ اسْتِحَالَةَ إِعَادَةِ اللَّحْمِ وَالْعَصَبِ وَالْفُؤَادِ بِالْأَوْلَى. فَإِثْبَاتُ إِعَادَةِ الْعِظَامِ اقْتَضَى أَنَّ إِعَادَةَ بَقِيَّةِ الْجِسْمِ مُسَاوٍ لِإِعَادَةِ الْعَظْمِ وَفِي ذَلِكَ كِفَايَةٌ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ مَعَ الْإِيجَازِ.
ثُمَّ إِنْ كَانَتْ إِعَادَةُ الْخَلْقِ بِجَمْعِ أَجْزَاءِ أَجْسَامِهِمُ الْمُتَفَرِّقَةِ مِنْ ذَرَّاتٍ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِعُلَمَائِنَا، فَفِعْلُ نَجْمَعَ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ. وَإِنْ كَانَ الْبَعْثُ بِخَلْقِ أَجْسَامٍ أُخْرَى عَلَى صُوَرِ الْأَجْسَامِ الْفَانِيَةِ سَوَاءٌ كَانَ خَلْقًا مُسْتَأْنَفًا أَوْ مُبْتَدَأً مِنْ أَعْجَابِ الْأَذْنَابِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِعُلَمَائِنَا. فَفِعْلُ نَجْمَعَ مُسْتَعَارٌ لِلْخَلْقِ الَّذِي هُوَ عَلَى صُورَةِ الْجِسْمِ الَّذِي بَلِيَ. وَمُنَاسَبَةُ اسْتِعَارَتِهِ مُشَاكَلَةُ أَقْوَالِ الْمُشْرِكِينَ الَّتِي أُرِيدُ إِبْطَالُهَا لِتَجَنُّبِ الدُّخُولِ مَعَهُمْ فِي تَصْوِيرِ كَيْفِيَّةِ الْبَعْثِ، وَلِذَلِكَ لَا تَرَى فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ إِلَّا إِجْمَالَهَا وَمِنْ ثَمَّ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ فِي كَيْفِيَّةِ إِعَادَةِ الْأَجْسَامِ عِنْدَ الْبَعْثِ.
وَاخْتَارَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ التَّوَقُّفَ، وَآيَاتُ الْقُرْآنِ وَرَدَ فِيهَا مَا يَصْلُحُ لِلْأَمْرَيْنِ.
وبَلى حَرْفُ إِبْطَالٍ لِلنَّفْيِ الَّذِي دلّ عَلَيْهِ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ فَمَعْنَاهُ بَلْ تُجْمَعُ عِظَامُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَحْمَلَيْنِ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ.
وقادِرِينَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ بَعْدَ بَلى الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله:
أَلَّنْ نَجْمَعَ، أَيْ بَلْ نَجْمَعُهَا فِي حَالِ قُدْرَتِنَا عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَلى إِبْطَالًا لِلنَّفْيَيْنِ: النَّفْيِ الَّذِي أَفَادَهُ الِاسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِيُّ مِنْ قَوْلِهِ أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ وَالنَّفْيُ الَّذِي فِي مَفْعُولِ يَحْسَبُ، وَهُوَ إِبْطَالٌ بِزَجْرٍ، أَيْ بَلْ لِيَحْسِبْنَا قَادِرِينَ، لِأَن مفَاد أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ أَنْ لَا نَقْدِرَ عَلَى جَمْعِ عِظَامِهِ فَيَكُونُ قادِرِينَ مَفْعُولًا ثَانِيًا لِيَحْسِبْنَا الْمُقَدَّرِ، وَعَدَلَ فِي مُتَعَلِّقِ قادِرِينَ عَنْ أَنْ يُقَالَ: قَادِرِينَ عَلَى جَمْعِ عِظَامِهِ إِلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ لِأَنَّهُ أَوْفَرُ مَعْنًى وَأَوْفَقُ بِإِرَادَةِ إِجْمَالِ كَيْفِيَّةِ الْبَعْثِ وَالْإِعَادَةِ.
وَلِمُرَاعَاةِ هَذِهِ الْمَعَانِي عُدِلَ عَنْ رَفْعِ: قَادِرُونَ، بِتَقْدِيرِ: نَحْنُ قَادِرُونَ، فَلَمْ يُقْرَأْ بِالرَّفْعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute