للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِمَّا يُعَزِّزُ الْأُخُوَّةَ الْإِسْلَامِيَّةَ الْمُرَغَّبَ فِيهَا. وَنُقِلَ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَاخْتَارَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْجِبَّائِيِّ وَهُوَ الْأَرْجَحُ لِأَنَّ قُرَّةَ الْعَيْنِ لَا تَحْصُلُ عَلَى مَضَضٍ وَلِأَنَّ الْحَطَّ فِي الْحَقِّ يُوجِبُ الْكَدَرَ. وَيُؤَيِّدهُ أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْخُذْ إِلَّا بِهِ وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ أَنَّهُ آثَرَ إِحْدَى أَزْوَاجِهِ

بِلَيْلَةٍ سِوَى لَيْلَةِ سَوْدَةَ الَّتِي وَهَبَتْهَا لِعَائِشَةَ، اسْتَمَرَّ ذَلِكَ إِلَى وَفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ يُطَافُ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ، وَكَانَ مَبْدَأُ شَكْوَاهُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ إِلَى أَنْ جَاءَتْ نَوْبَةُ لَيْلَةِ عَائِشَةَ فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِهَا رِفْقًا بِهِ.

وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ حِينَ قَسَمَ لَهُنَّ «اللَّهُمَّ هَذِهِ قِسْمَتِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ»

، وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ التَّفْوِيضِ إِلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ.

وَفِي قَوْلِهِ: وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ إِشَارَةٌ إِلَى أَن المُرَاد الرضى الَّذِي يَتَسَاوَيْنَ فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّأْكِيدِ بِ كُلُّهُنَّ نُكْتَةٌ زَائِدَةٌ، فَالْجَمْعُ بَيْنَ ضَمِيرِهِنَّ فِي قَوْله: كُلُّهُنَّ يومىء إِلَى رضى مُتَسَاوٍ بَيْنَهُنَّ.

وَضَمِيرَا أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ عَائِدَانِ إِلَى (مَنْ) فِي قَوْلِهِ: مِمَّنْ عَزَلْتَ. وَذِكْرُ وَلا يَحْزَنَّ بَعْدَ ذِكْرِ أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ مَعَ مَا فِي قُرَّةِ الْعَيْنِ مِنْ تَضَمُّنِ مَعْنَى انْتِفَاءِ الْحُزْنِ بِالْإِيمَاءِ إِلَى تَرْغِيبِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ابْتِغَاءِ بَقَاءِ جَمِيعِ نِسَائِهِ فِي مُوَاصَلَتِهِ لِأَنَّ فِي عَزْلِ بَعْضِهِنَّ حُزْنًا لِلْمَعْزُولَاتِ وَهُوَ بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف لَا يُحِبُّ أَنْ يُحْزِنَ أَحَدًا.

وكُلُّهُنَّ تَوْكِيدٌ لِضَمِيرِ يَرْضَيْنَ أَوْ يَتَنَازَعُهُ الضَّمَائِرُ كُلُّهَا.

وَالْإِيتَاءُ: الْإِعْطَاءُ وَغَلَبَ عَلَى إِعْطَاءِ الْخَيْرِ إِذَا لَمْ يُذْكَرْ مَفْعُولُهُ الثَّانِي، أَوْ ذُكِرَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ: فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الْأَعْرَاف: ١٤٤] ، فَإِذَا ذَكَرَ مَفْعُولَهُ الثَّانِيَ فَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِسُوءٍ. وَلَمْ أَرَهُ يُسْتَعْمَلُ فِي إِعْطَاءِ السُّوءِ فَلَا تَقُولُ: آتَاهُ سِجْنًا وَآتَاهُ ضَرْبًا، إِلَّا فِي مَقَامِ التَّهَكُّمِ أَوِ الْمُشَاكَلَةِ، فَمَا هُنَا مِنَ الْقَبِيلِ الْأَوَّلِ، وَلِهَذَا يَبْعُدُ تَفْسِيره بأنهن يرضين بِمَا أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ لِرَسُولِهِ مِنْ عَزْلِهِنَّ وَإِرْجَائِهِنَّ. وَتَوْجِيهُهُ فِي «الْكَشَّافِ» تَكَلُّفٌ.

وَالتَّذْيِيلُ بِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً كَلَامٌ جَامِعٌ لِمَعْنَى التَّرْغِيبِ وَالتَّحْذِيرِ فَفِيهِ ترغيب النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِحْسَانِ بِأَزْوَاجِهِ وَإِمَائِهِ