وَأَمَّا مَنْ تَصِفُونَهُ فَلَيْسَ هُوَ عِيسَى لِأَنَّ اسْتِحْضَارَ الشَّخْصِ بِصِفَاتٍ غَيْرِ صِفَاتِهِ تَبْدِيلٌ لِشَخْصِيَّتِهِ، فَلَمَّا وَصَفُوهُ بِغَيْرِ مَا هُوَ صِفَتُهُ جُعِلُوا بِمَنْزِلَةِ من لَا يعرفونه فَاجْتُلِبَ اسْمُ الْإِشَارَةِ لِيَتَمَيَّزَ الْمَوْصُوفُ أَكْمَلَ تَمْيِيزٍ عِنْدَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعْرِفُوهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ. وَالْمَقْصُودُ بِالتَّمْيِيزِ تَمْيِيزُ صِفَاتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ عَنِ الصِّفَاتِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي أَلْصَقُوهَا بِهِ لَا تَمْيِيزَ ذَاتِهِ عَنِ الذَّوَاتِ إِذْ لَيْسَتْ ذَاتُهُ بِحَاضِرَةٍ وَقْتَ نُزُولِ الْآيَةِ، أَيْ تِلْكَ حَقِيقَةُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَصِفَتُهُ.
وقَوْلَ الْحَقِّ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِالرَّفْعِ، وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ، وَعَاصِمٌ، وَيَعْقُوبُ بِالنَّصْبِ فَأَمَّا الرَّفْعُ فَهُوَ خَبَرٌ ثَانٍ عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ أَوْ وَصْفٌ لِعِيسَى أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ، وَأَمَّا النَّصْبُ فَهُوَ حَالٌ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ أَوْ مِنْ عِيسَى.
وَمَعْنَى قَوْلَ الْحَقِّ أَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ الَّتِي سَمِعْتُمْ هِيَ قَوْلُ الْحَقِّ، أَيْ مَقُولٌ هُوَ الْحَقُّ وَمَا خَالَفَهَا بَاطِلٌ، أَوْ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ قَوْلُ الْحَقِّ، أَيْ مَقُولُ الْحَقِّ، أَيِ الْمُكَوَّنُ مِنْ قَوْلِ (كُنْ) ، فَيَكُونُ مَصْدَرًا بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ كَالْخَلْقِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ [لُقْمَان: ١١] .
وَجَوَّزَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ أَنْ يَكُونَ نَصْبُ قَوْلَ الْحَقِّ بِتَقْدِيرِ: أُحِقُّ قَوْلَ الْحَقِّ، أَيْ هُوَ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ قَبْلَهُ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ وُجُوبًا، تَقْدِيرُهُ: أُحِقُّ قَوْلَ الْحَقِّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ الْحَقِّ مَصْدَرًا نَائِبًا عَنْ فِعْلِهِ، أَيْ أَقُولُ قَوْلَ الْحَقِّ. وَعَلَى
هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ اعْتِرَاضًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ مَصْدَرًا بِمَعْنَى الْفَاعِل صفة لعيسى أَوْ حَالًا مِنْهُ، أَيْ قَائِلُ الْحَقِّ إِذْ قَالَ: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ إِلَى قَوْلِهِ: أُبْعَثُ حَيًّا [مَرْيَم: ٣٠- ٣٣] .
والَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ أَوْ حَالٌ ثَانِيَةٌ أَوْ خَبَرٌ ثَانٍ عَنْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَى مَا يُنَاسِبُ الْوُجُوهَ الْمُتَقَدِّمَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute