وَوَجْهُ الْعَطْفِ بِـ أَوْ هُوَ جَعْلُهُمُ الْآبَاءَ الْأَوَّلِينَ قِسْمًا آخَرَ فَكَانَ عَطْفُهُ ارْتِقَاءً فِي إِظْهَارِ اسْتِحَالَةِ إِعَادَةِ هَذَا الْقِسْمِ لِأَنَّ آبَاءَهَمْ طَالَتْ عُصُورُ فَنَائِهِمْ فَكَانَتْ إِعَادَةُ حَيَاتِهِمْ أَوْغَلَ فِي الِاسْتِحَالَةِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ وَاوُ الْعَطْفِ وَالْهَمْزَةَ هَمْزَةُ اسْتِفْهَامٍ فَهُمَا حَرْفَانِ. وَقُدِّمَتْ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى حَرْفِ الْعَطْفِ حَسَبِ الِاسْتِعْمَالِ الْكثير. وَالتَّقْدِير: وأ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ مِثْلُنَا.
وَعَلَى كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ فَرَفْعُهُ بِالْعَطْفِ عَلَى مَحَلِّ اسْمِ إِنَّ الَّذِي كَانَ مُبْتَدَأً قَبْلَ دُخُولِ إِنَّ، وَالْغَالِبُ فِي الْعَطْفِ عَلَى اسْمِ إِنَّ يَرْفَعُ الْمَعْطُوفَ اعْتِبَارًا بِالْمَحَلِّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التَّوْبَة: ٣] أَوْ يُجْعَلُ مَعْطُوفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي خَبَرِ إِنَّ وَهُوَ هُنَا مَرْفُوعٌ بِالنِّيَابَةِ عَنِ الْفَاعِلِ وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ وَبَيْنَ حَرْفِ الْعَطْفِ، أَوْ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَالْمَعْطُوفِ بِالْهَمْزَةِ الْمُفْضِي إِلَى إِعْمَالِ مَا قَبْلَ الْهَمْزَةِ فِيمَا بَعْدَهَا وَذَلِكَ يُنَافِي صَدَارَةَ الِاسْتِفْهَامِ لِأَنَّ صَدَارَةَ الِاسْتِفْهَامِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جُمْلَتِهِ فَلَا يُنَافِيهَا عَمَلُ عَامِلٍ مِنْ جُمْلَةٍ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْإِعْمَالَ اعْتِبَارٌ يَعْتَبِرُهُ الْمُتَكَلِّمُ وَيَفْهَمُهُ السَّامِعُ فَلَا يُنَافِي التَّرْتِيبَ اللَّفْظِيَّ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْله: أَإِذا مِتْنا إِنْكَارِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ فَلِذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ نَعَمْ جَوَابا لقَولهم أَإِذا مِتْنا عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ بِصَرْفِ قَصْدِهِمْ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ إِلَى ظَاهِرِ الِاسْتِفْهَامِ فَجُعِلُوا كَالسَّائِلِينَ: أَيُبْعَثُونَ؟ فَقِيلَ لَهُمْ: نَعَمْ، تَقْرِيرًا لِلْبَعْثِ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ، أَيْ نَعَمْ تُبْعَثُونَ. وَجِيءَ بِ قُلْ غَيْرَ مَعْطُوفٍ لِأَنَّهُ جَارٍ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣٠] .
وأَنْتُمْ داخِرُونَ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَالدَّاخِرُ: الصَّاغِرُ الذَّلِيلُ، أَيْ تُبْعَثُونَ بَعْثَ إِهَانَةٍ مُؤْذِنَةٍ بِتَرَقُّبِ الْعِقَابِ لَا بَعْثَ كَرَامَةٍ.
وَفُرِّعَ عَلَى إِثْبَاتِ الْبَعْثِ الْحَاصِلِ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ، أَنَّ بَعْثَهُمْ وَشِيكُ الْحُصُولِ لَا يَقْتَضِي مُعَالَجَةً وَلَا زَمَنًا إِنْ هِيَ إِلَّا إِعَادَةٌ تَنْتَظِرُ زَجْرَةً وَاحِدَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute