للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ هَذَا إِلَى مَا هُوَ مُشَاهَدٌ بَيْنَهُمْ حِينَ إِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ مِثْلُ انْقِلَابِ الْعَصَا حَيَّةً، وَخُرُوجِ الْيَدِ بَيْضَاءَ، أَيْ أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ الَّذِي تُشَاهِدُونَهُ سِحْرٌ مُبِينٌ.

وَجُمْلَةُ: قالَ مُوسى مُجَاوِبَةٌ مِنْهُ عَنْ كَلَامِهِمْ فَفُصِلَتْ مِنَ الْعَطْفِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي اسْتَخْرَجْنَاهَا فِي حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ، إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها

[الْبَقَرَة: ٣٠] ، وَنَظَائِرِهِ الْكَثِيرَةِ. تَوَلَّى مُوسَى وَحْدَهُ دُونَ هَارُونَ مُجَادَلَتَهُمْ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلدَّعْوَةِ أَصَالَةً، وَلِأَنَّ الْمُعْجِزَاتِ ظَهَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ.

وَاسْتِفْهَامُ أَتَقُولُونَ إِنْكَارِيٌّ. وَاللَّامُ فِي لِلْحَقِّ لَامُ التَّعْلِيلِ. وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّيهَا لَامَ الْبَيَانِ. وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّيهَا لَامَ الْمُجَاوَزَةِ بِمَعْنَى (عَنْ) .

وَجُمْلَةُ: أَسِحْرٌ هَذَا مُسْتَأْنَفَةٌ لِلتَّوْبِيخِ وَالْإِنْكَارِ، أَنْكَرَ مُوسَى عَلَيْهِمْ وَصْفَهُمُ الْآيَاتِ الْحَقَّ بِأَنَّهَا سِحْرٌ. وَالْإِشَارَةُ تُفِيدُ التَّعْرِيضَ بِجَهْلِهِمْ وَفَسَادِ قَوْلِهِمْ، بِأَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى تِلْكَ الْآيَاتِ كَافِيَةٌ فِي ظُهُورِ حَقِيقَتِهَا وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ السِّحْرِ فِي شَيْءٍ. وَلِذَلِكَ كَانَ مَفْعُولُ أَتَقُولُونَ مَحْذُوفًا لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَهُوَ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ فَالتَّقْدِيرُ: أَتَقُولُونَ هَذَا الْقَوْلَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ. وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ [آل عمرَان: ١٨٣] وَقَوْلُهُ: بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ [النِّسَاء: ٨١] .

وَلَمَّا نَفَى مُوسَى عَنْ آيَاتِ اللَّهِ أَنْ تَكُونَ سِحْرًا ارْتَقَى فَأَبَانَ لَهُمْ فَسَادَ السِّحْرِ وَسُوءَ عَاقِبَةِ مُعَالِجِيهِ تَحْقِيرًا لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُنَوِّهُونَ بِشَأْنِ السِّحْرِ. فَجُمْلَةُ: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ: أَسِحْرٌ هَذَا.

فَالْمَعْنَى: هَذَا لَيْسَ بِسِحْرٍ وَإِنَّمَا أَعْلَمُ أَنَّ السَّاحِرَ لَا يُفْلِحُ، أَيْ لَوْ كَانَ سَاحِرًا لَمَّا شَنَّعَ حَالَ السَّاحِرِينَ، إِذْ صَاحَبُ الصِّنَاعَةِ لَا يُحَقِّرُ صِنَاعَتَهُ لِأَنَّهُ لَوْ رَآهَا مُحَقَّرَةً لما التزمها.