وَأُعِيدَ اللَّامُ مَعَ الْبَدَلِ لِرَبْطِهِ بِالْمُبْدَلِ مِنْهُ لِانْفِصَالِ مَا بَيْنَهُمَا بِطُولِ الْكَلَامِ مِنْ تَعْلِيلٍ وَتَذْيِيلٍ وَتَحْذِيرٍ. ولإفادة التَّأْكِيد.
وَكَثِيرًا مَا يقْتَرن الْبَدَل بِمثل الْعَامِلُ فِي الْمُبْدَلِ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [١١٤] . فَبَقَى احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ قَيْدًا لِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الْحَشْر: ٧] ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لِلْفُقَراءِ إِلَى آخِرِهِ مَسُوقًا لِتَقْيِيدِ اسْتِحْقَاقِ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ وَشَأْنُ الْقُيُودِ الْوَارِدَةِ بَعْدَ مُفْرَدَاتٍ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى جَمِيعِ مَا قَبْلَهَا، فَيَقْتَضِي هَذَا أَنْ يُشْتَرَطَ الْفَقْرُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ
الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ، لِأَنَّ مُطْلَقَهَا قَدْ قُيِّدَ بِقَيْدٍ عَقِبَ إِطْلَاقٍ، وَالْكَلَامُ بِأَوَاخِرِهِ فَلَيْسَ يجْرِي هُنَا الِاخْتِلَافُ فِي حَمْلِ الْمُطَلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَلَا تجْرِي الصُّور الْأَرْبَع فِي حَمْلِ الْمُطَلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ مِنَ اتِّحَادِ حُكْمِهِمَا وَجِنْسِهِمَا. وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُعْطَى ذَوُو الْقُرْبَى إِلَّا إِذَا كَانُوا فَقُرَاءَ لِأَنَّهُ عِوَضٌ لَهُمْ عَمَّا حُرِمُوهُ مِنَ الزَّكَاةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ: يُشْتَرَطُ الْفَقْرُ فِيمَا عَدَا ذَوِي الْقُرْبَى لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُمْ لِأَجْلِ الْقَرَابَة للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: أَغْلَظَ الشَّافِعِيُّ الرَّدَّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ اللَّهَ عَلَّقَ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْقَرَابَةِ وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْحَاجَةَ، فَاشْتِرَاطُهَا وَعَدَمُ اعْتِبَارِ الْقَرَابَةِ يُضَارُّهُ وَيُحَادُّهُ.
قُلْتُ: هَذَا مَحَلُّ النِّزَاعِ فَإِنَّ اللَّهَ ذَكَرَ وَصْفَ الْيَتَامَى وَوَصْفَ ابْنِ السَّبِيلِ وَلَمْ يَشْتَرَطِ الْحَاجَةَ.
وَاعْتَذَرَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِلْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الصَّدَقَاتِ لَمَّا حُرِّمَتْ عَلَى ذَوِي الْقُرْبَى كَانَتْ فَائِدَةُ ذَكْرِهِمْ فِي خُمْسِ الْفَيْءِ وَالْمَغَانِمِ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ صَرْفُهُ إِلَيْهِمِ امْتِنَاعَ صَرْفِ الصَّدَقَاتِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تَغْتَرَّ بِالِاعْتِذَارِ فَإِنَّ الْآيَةَ نَصٌّ عَلَى ثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ تَشْرِيفًا لَهُمْ فَمَنْ عَلَّلَهُ بِالْحَاجَةِ فَوَّتَ هَذَا الْمَعْنَى اه.
وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ تَجِدُ أَنَّ هَذَا الرَّدَّ مَدْخُولٌ، وَالْبَحْثَ فِيهِ يَطُولُ. وَمَحَلُّهُ مَسَائِلُ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ.
وَمِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُفَسِّرِينَ مَنْ جَعَلَ جُمْلَةَ لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ ابْتِدَائِيَّةً عَلَى حَذْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute