للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَنِعْمَةُ الْأَنْهَارِ عَظِيمَةٌ، فَإِنَّ مِنْهَا شَرَابَهُمْ وَسَقْيَ حَرْثِهِمْ، وَفِيهَا تَجْرِي سُفُنُهُمْ لِأَسْفَارِهِمْ.

وَلِهَذِهِ الْمِنَّةِ الْأَخِيرَةِ عَطَفَ عَلَيْهَا وَسُبُلًا جَمْعُ سَبِيلٍ. وَهُوَ الطَّرِيقُ الَّذِي يُسَافَرُ فِيهِ بَرًّا.

وَجُمْلَةُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ مُعْتَرِضَةٌ، أَيْ رَجَاءَ اهْتِدَائِكُمْ. وَهُوَ كَلَامٌ مُوَجَّهٌ يَصْلُحُ لِلِاهْتِدَاءِ إِلَى الْمَقَاصِدِ فِي الْأَسْفَارِ مِنْ رَسْمِ الطُّرُقِ وَإِقَامَةِ الْمَرَاسِي عَلَى الْأَنْهَارِ وَاعْتِبَارِ الْمَسَافَاتِ. وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ جَعْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ ذَلِكَ حَاصِلٌ بِإِلْهَامِهِ. وَيَصْلُحُ لِلِاهْتِدَاءِ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَهُوَ دِينُ التَّوْحِيدِ، لِأَنَّ فِي تِلْكَ الْأَشْيَاءِ دَلَالَةً عَلَى الْخَالِقِ الْمُتَوَحِّدِ بِالْخَلْقِ.

وَالْعَلَامَاتُ: الْأَمَارَاتُ الَّتِي أَلْهَمَ اللَّهُ النَّاسَ أَنْ يَضَعُوهَا أَوْ يَتَعَارَفُوهَا لِتَكُونَ دَلَالَةً عَلَى الْمَسَافَاتِ وَالْمَسَالِكِ الْمَأْمُونَةِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فَتَتْبَعُهَا السَّابِلَةُ.

وَجُمْلَةُ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ، لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى: وَهَدَاكُمْ بِالنَّجْمِ فَأَنْتُمْ تَهْتَدُونَ بِهِ. وَهَذِهِ مِنَّةٌ بِالِاهْتِدَاءِ فِي اللَّيْلِ لِأَنَّ السَّبِيلَ وَالْعَلَامَاتِ إِنَّمَا تَهْدِي فِي النَّهَارِ، وَقَدْ يَضْطَرُّ السَّالِكُ إِلَى السَّيْرِ لَيْلًا فَمَوَاقِعُ النُّجُومِ عَلَامَاتٌ لِاهْتِدَاءِ النَّاسِ السَّائِرِينَ لَيْلًا تعرف بهَا السَّمَوَات، وَأَخَصُّ مَنْ يَهْتَدِي بِهَا الْبَحَّارَةُ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْإِرْسَاءَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فَهُمْ مُضْطَرُّونَ إِلَى السَّيْرِ لَيْلًا، وَهِيَ هِدَايَةٌ عَظِيمَةٌ فِي وَقْتِ ارْتِبَاكِ الطَّرِيقِ عَلَى السَّائِرِ، وَلِذَلِكَ قَدَّمَ الْمُتَعَلِّقُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَبِالنَّجْمِ تَقْدِيمًا يُفِيدُ الِاهْتِمَامَ، وَكَذَلِكَ بِالْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هُمْ يَهْتَدُونَ.

وَعَدَلَ عَنِ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَة التفاتا يومىء إِلَى فَرِيقٍ خَاصٍّ وَهُمُ السَّيَّارَةُ وَالْمَلَّاحُونَ فَإِنَّ هِدَايَتَهُمْ بِهَذِهِ النُّجُومِ لَا غَيْرَ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي «النَّجْمِ» تَعْرِيفُ الْجِنْسِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ النُّجُومُ الَّتِي تَعَارَفَهَا النَّاسُ لِلِاهْتِدَاءِ بِهَا مِثْلُ الْقُطْبِ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي [سُورَةِ الْأَنْعَامِ: ٩٧] .