بِالضَّلَالَةِ وَالْعَذَابِ، وَوَصْفِ حَالِهِمُ الْفَظِيعِ، عَادَ الْكَلَامُ إِلَى خِطَابِهِمْ بِالدَّعْوَةِ الْجَامِعَةِ لِمَا تَقَدَّمَ طَلَبًا لِتَدَارُكِ أَمْرِهِمْ قَبْلَ الْفَوَاتِ، فَاسْتُؤْنِفَ الْكَلَامُ اسْتِئْنَافًا فِيهِ مَعْنَى النَّتِيجَةِ لِلْمَوَاعِظِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ من الزواجر يهيّىء بَعْضَ النُّفُوسِ لِقَبُولِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ.
وَالِاسْتِجَابَةُ: إِجَابَةُ الدَّاعِي، وَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلتَّوْكِيدِ. وَأُطْلِقَتْ الِاسْتِجَابَةُ عَلَى امْتِثَالِ مَا يُطَالِبُهُمْ بِهِ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبْلِيغًا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ لِأَنَّ اسْتِجَابَةَ النِّدَاءِ تَسْتَلْزِمُ الِامْتِثَالَ لِلْمُنَادِي فَقَدْ كَثُرَ إِطْلَاقُهَا عَلَى إِجَابَةِ الْمُسْتَنْجِدِ. وَالْمَعْنَى: أَطِيعُوا رَبَّكُمْ وَامْتَثِلُوا أَمْرَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمُ الْعَذَابِ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ جَارٍ عَلَيْهِ.
وَاللَّامُ فِي لِرَبِّكُمْ لِتَأْكِيدِ تَعْدِيَةِ الْفِعْلِ إِلَى الْمَفْعُولِ مِثْلَ: حَمِدْتُ لَهُ وَشَكَرْتُ لَهُ.
وَتُسَمَّى لَامَ التَّبْلِيغِ وَلَامَ التَّبْيِينِ. وَأَصْلُهُ اسْتِجَابَةٌ، قَالَ كَعْبٌ الْغَنَوِيٌّ:
وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النِّدَا ... فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ
وَلَعَلَّ أَصْلَهُ اسْتَجَابَ دُعَاءَهُ لَهُ، أَيْ لِأَجْلِهِ لَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشَّرْح: ١] فَاخْتُصِرَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَقَالُوا: اسْتَجَابَ لَهُ وَشَكَرَ لَهُ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي
فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٨٦] .
وَالْمَرَدُّ: مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الرَّدِّ، وَتَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ [الشورى:
٤٤] . فَلا مَرَدَّ لَهُ صِفَةُ يَوْمٌ. وَالْمَعْنَى: لَا مَرَدَّ لِإِثْبَاتِهِ بَلْ هُوَ وَاقِعٌ، ولَهُ خَبَرُ لَا النَّافِيَةِ، أَيْ لَا مَرَدَّ كَائِنًا لَهُ، وَلَامُ لَهُ لِلِاخْتِصَاصِ.
ومِنْ: فِي قَوْلِهِ: مِنَ اللَّهِ ابْتِدَائِيَّةٌ وَهُوَ ابْتِدَاءٌ مَجَازِيٌّ، وَمَعْنَاهُ: حُكْمُ اللَّهِ بِهِ فَكَأَنَّ الْيَوْمَ جَاءَ مِنْ لَدُنْهُ.
وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الْمَجْرُورِ بِفِعْلِ يَأْتِيَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْكَوْنِ الَّذِي فِي خَبَرِ لَا. وَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا: لَا مَرَدَّ كَائِنًا مِنَ اللَّهِ لَهُ وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِ مَرَدَّ عَلَى أَنَّهُ مُتَمِّمُ مَعْنَاهُ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ اسْمُ لَا شَبِيهًا بِالْمُضَافِ فَكَانَ مُنَوَّنًا