الْآيَةَ، إِلَى الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ هُنَا فَإِنْ أَعْرَضُوا وَإِلَّا لَقِيلَ: فَإِنْ أَعْرَضْتُمْ.
وَالْحَفِيظُ تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ السُّورَةِ وَقَوْلُهُ: فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً لَيْسَ هُوَ جَوَابَ الشَّرْطِ فِي الْمَعْنَى وَلَكِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَقَائِمٌ مَقَامَهُ، إِذِ الْمَعْنَى: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَلَسْتَ مُقَصِّرًا فِي دَعْوَتِهِمْ، وَلَا عَلَيْكَ تَبِعَةُ صَدِّهِمْ إِذْ مَا أَرْسَلْنَاكَ حَفِيظًا عَلَيْهِمْ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ. وَجُمْلَةُ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ
حَفِيظاً
بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ الْمُقَدَّرِ.
وإِنْ الثَّانِيَةُ نَافِيَةٌ. وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ إِنْ الشَّرْطِيَّةِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ جِنَاسٌ تَامٌّ.
والْبَلاغُ: التَّبْلِيغُ، وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ، وَقَدْ فُهِمَ مِنَ الْكَلَامِ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنَ الْبَلَاغِ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً دَلَّ عَلَى نَفْيِ التَّبِعَةِ عَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِعْرَاضِهِمْ، وَأَنَّ الْإِعْرَاضَ هُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ دَعْوَتِهِ، فَاسْتُفِيدَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ الدَّعْوَةَ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا أَثْبَتَ لَهُمُ الْإِعْرَاضَ.
وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ.
تَتَّصِلُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَقَوْلِهِ: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ. لِمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ مِنَ التَّعْرِيضِ بتسلية الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا لَاقَاهُ مِنْ قَوْمِهِ كَمَا عَلِمْتَ، وَيُؤْذِنُ بِهَذَا الِاتِّصَالِ أَنَّ هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ جُعِلَتَا آيَةً وَاحِدَةً هِيَ ثَامِنَةٌ وَأَرْبَعُونَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، فَالْمَعْنَى: لَا يَحْزُنْكَ إِعْرَاضُهُمْ عَنْ دَعْوَتِكَ فَقَدْ أَعْرَضُوا عَنْ نِعْمَتِي وَعَنْ إِنْذَارِي بِزِيَادَةِ الْكُفْرِ، فَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَابْتِدَاءُ الْكَلَامِ بِضَمِيرِ الْجَلَالَةِ الْمُنْفَصِلِ مُسْنَدًا إِلَيْهِ فِعْلٌ دُونَ أَنْ يُقَالَ: وَإِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ إِلَخْ، مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَصْفُ هَذَا الْإِنْسَانِ بِالْبَطَرِ بِالنِّعْمَةِ وَبِالْكُفْرِ عِنْدَ الشِّدَّةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ مَوْقِعِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ هُنَا تَسْلِيَة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جَفَاءِ قَوْمِهِ وَإِعْرَاضِهِمْ، فَالْمَعْنَى:
أَنَّ مُعَامَلَتَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute