للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْإِشَارَةُ بِ هؤُلاءِ إِلَى بَناتِي. وبَناتِي بَدَلٌ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ، وَالْإِشَارَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْعَرْضِ، وَالتَّقْدِيرُ: فَخُذُوهُنَّ.

وَجُمْلَةُ هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ تَعْلِيلٌ لِلْعَرْضِ. وَمَعْنَى هُنَّ أَطْهَرُ أَنَّهُنَّ حَلَالٌ لَكُمْ يَحُلْنَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْفَاحِشَةِ، فَاسْمُ التَّفْضِيلِ مَسْلُوبُ الْمُفَاضَلَةِ قُصِدَ بِهِ قُوَّةُ الطَّهَارَةِ.

وهؤُلاءِ إِشَارَةٌ إِلَى جَمْعٍ، إِذْ بُيِّنَ بِقَولِهِ: بَناتِي.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا ابْنَتَانِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ إِطْلَاقَ الْبَنَاتِ هُنَا مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، أَيْ هَؤُلَاءِ نِسَاؤُهُنَّ كَبَنَاتِي. وَأَرَادَ نِسَاءً مِنْ قَوْمِهِ بِعَدَدِ الْقَوْمِ الَّذِينَ جَاءُوا يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ. وَهَذَا مَعْنَى مَا فَسَّرَ بِهِ مُجَاهِدٌ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِجَعْلِهِنَّ لِقَوْمِهِ إِذْ قَالَ: هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ، فَإِنَّ قَوْمَهُ الَّذِينَ حَضَرُوا عِنْدَهُ كَثِيرُونَ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: هَؤُلَاءِ النِّسَاءُ فَتَزَوَّجُوهُنَّ. وَهَذَا أَحْسَنُ الْمَحَامِلِ.

وَقِيلَ: أَرَادَ بَنَاتِ صُلْبِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ قَتَادَةَ. وَإِذْ كَانَ الْمَشْهُورُ أَنَّ لُوطًا- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَهُ ابْنَتَانِ صَارَ الْجَمْعُ مُسْتَعْمَلًا فِي الِاثْنَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاثْنَيْنِ تُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْجَمْعِ فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما [التَّحْرِيم: ٤] .

وَقِيلَ: كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ.

وَتَعْتَرِضُ هَذَا الْمَحْمَلَ عَقَبَتَانِ:

الْأُولَى: أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا فَكَيْفَ تَكْفِيهِمْ بِنْتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ؟!.

الثَّانِيَةُ: أَنَّ قَوْلَهُ: هؤُلاءِ بَناتِي عَرْضٌ عَلَيْهِمْ كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا، فَكَيْفَ كَانَتْ صِفَةُ هَذِهِ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ الْبَنَاتِ وَهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ، فَإِنْ كَانَ تَزْوِيجًا لَمْ يَكْفِينَ الْقَوْمَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ تَزْوِيجٍ فَمَا هُوَ؟.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الْقَوْم الَّذين جاؤوه بِقَدْرِ عَدَدِ بَنَاتِهِ أَوْ أَنْ يَكُونَ مَعَ بَنَاتِهِ حَتَّى مِنْ قَوْمِهِ. وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفَ