وَالْإِصْفَاءُ: جَعْلُ الشَّيْءِ صَفْوًا، أَيْ خَالِصًا، وَتَعْدِيَةُ أَصْفَى إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، وَأَصْلُهُ: أَفَأَصْفَى لَكُمْ. وَقَوْلُهُ: بِالْبَنِينَ الْبَاءُ فِيهِ إِمَّا
مَزِيدَةٌ لِتَوْكِيدِ لُصُوقِ فِعْلِ (أَصْفَى) بِمَفْعُولِهِ. وَأَصْلُهُ: أَفَأَصْفَى لَكُمْ رَبُّكُمُ الْبَنِينَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [الْمَائِدَة: ٦] أَوْ ضَمَّنَ أَصْفَى مَعْنَى آثَرَ فَتَكُونُ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ دَالَّةً عَلَى مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ بِمَجْرُورِهَا، فَصَارَ (أَصْفَى) مَعَ مُتَعَلِّقِهِ بِمَنْزِلَةِ فِعْلَيْنِ، أَيْ قَصَرَ الْبَنِينَ عَلَيْكُمْ دُونَهُ، أَي جعل لم الْبَنِينَ خَالِصَةً لَا يُسَاوِيكُمْ هُوَ بِأَمْثَالِهِمْ، وَجَعَلَ لِنَفْسِهِ الْإِنَاثَ الَّتِي تَكْرَهُونَهَا. وَفَسَادُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ بِأَدْنَى نَظَرٍ فَإِذَا تَبَيَّنَ فَسَادُهُ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ فَقَدْ تَبَيَّنَ انْتِفَاءُ وُقُوعِهِ إِذْ هُوَ غَيْرُ لَائِقٍ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ [٥٧] . وَقَوْلِهِ: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً فِي [النِّسَاءِ: ١١٧] .
وَجُمْلَةُ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً تَقْرِيرٌ لِمَعْنَى الْإِنْكَارِ وَبَيَانٌ لَهُ، أَيْ تَقُولُونَ:
اتَّخَذَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتٍ. وَأَكَّدَ فِعْلَ «تَقُولُونَ» بِمَصْدَرِهِ تَأْكِيدًا لِمَعْنَى الْإِنْكَارِ. وَجَعَلَهُ مُجَرَّدَ قَوْلٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ كَلَامًا صَدَرَ عَنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ، لِأَنَّهُ لَوْ تَأَمَّلَهُ قَائِلُهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ لَوَجَدَهُ غَيْرَ دَاخِلٍ تَحْتَ قَضَايَا الْمَقْبُولِ عَقْلًا.
وَالْعَظِيمُ: الْقَوِيُّ. وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ عَظِيمٌ فِي الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ بِقَرِينَةِ سِيَاقِ الْإِنْكَارِ.
وَلَا أَبْلَغُ فِي تَقْبِيحِ قَوْلِهِمْ مِنْ وَصْفِهِ بِالْعَظِيمِ، لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَدْخُولٌ مِنْ جَوَانِبِهِ لِاقْتِضَائِهِ إِيثَارَ اللَّهِ بِأَدْوَنِ صِنْفَيِ الْبُنُوَّةِ مَعَ تَخْوِيلِهِمُ الصِّنْفَ الْأَشْرَفَ. ثُمَّ مَا يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ مِنْ نِسْبَتِهِ خَصَائِصَ الْأَجْسَامِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ تَرْكِيبٍ وَتَوَلُّدٍ وَاحْتِيَاجٍ إِلَى الْأَبْنَاءِ لِلْإِعَانَةِ وَلِيُخَلِّفُوا الْأَصْلَ بَعْدَ زَوَالِهِ، فَأَيُّ فَسَادٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا.
وَفِي قَوْلِهِ: اتَّخَذَ إِيمَاءٌ إِلَى فَسَادٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً [الْبَقَرَة: ١١٦] . وَالِاتِّخَاذُ يَقْتَضِي أَنَّهُ خَلَقَهُ لِيَتَّخِذَهُ، وَذَلِكَ يُنَافِي التَّوَلُّدَ فَكَيْفَ يَلْتَئِمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute