وَالتَّذْيِيلُ مَعَ تَمْثِيلِ حَالِهِمْ بِحَالِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَتَشَابُهِ عَقْلِيَّاتِهِمْ فِي حُجَجِهِمُ الْبَاطِلَةِ وَرَدِّ الرُّسُلِ عَلَيْهِمْ بِمِثْلِ مَا رَدَّ بِهِ الْقُرْآنُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي مَوَاضِعَ، ثُمَّ خُتِمَ بِالْوَعِيدِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ لِأَنَّهُمْ قَدْ بَلَغَتْهُمْ أَخْبَارُهُمْ، فَأَمَّا قَوْمُ نُوحٍ فَقَدْ تَوَاتَرَ خَبَرُهُمْ بَيْنَ الْأُمَمِ بِسَبَبِ خَبَرِ الطُّوفَانِ، وَأَمَّا عَادٌ وَثَمُودُ فَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ وَمَسَاكِنُهُمْ فِي بِلَادِهِمْ وَهُمْ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَيُخْبِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِهَا، قَالَ تَعَالَى: وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ [سُورَة إِبْرَاهِيم: ٤٥] وَقَالَ: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ
[سُورَة الصافات: ١٣٧] .
وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ يَشْمَلُ أَهْلَ مَدْيَنَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقَوْمَ تُبَّعٍ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أُمَمٍ انْقَرَضُوا وَذَهَبَتْ أَخْبَارُهُمْ فَلَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً [سُورَة الْفرْقَان: ٣٨] .
وَجُمْلَةُ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَبَيْنَ جُمْلَةِ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ الْوَاقِعَةُ حَالًا مِنَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْكَثْرَةِ الَّتِي يَسْتَلْزِمُهَا انْتِفَاءُ عِلْمِ النَّاسِ بِهِمْ.
وَمَعْنَى جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ جَاءَ كُلَّ أُمَّةٍ رسولها.
وضمائر فَرَدُّوا وأَيْدِيَهُمْ وأَفْواهِهِمْ عَائِدٌ جَمِيعُهَا إِلَى قَوْمِ نُوحٍ وَالْمَعْطُوفَاتِ عَلَيْهِ.
وَهَذَا التَّرْكِيبُ لَا أَعْهَدُ سَبْقَ مِثْلِهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَلَعَلَّهُ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ.
وَمَعْنَى فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ يَحْتَمِلُ عِدَّةَ وُجُوهٍ أَنْهَاهَا فِي «الْكَشَّافِ» إِلَى سَبْعَةٍ وَفِي بَعْضِهَا بُعْدٌ، وَأَوْلَاهَا بِالِاسْتِخْلَاصِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَنَّهُمْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ إِخْفَاءً لِشِدَّةِ الضَّحِكِ مِنْ كَلَامِ الرُّسُلِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَظْهَرَ دَوَاخِلُ أَفْوَاهِهِمْ. وَذَلِكَ تَمْثِيلٌ لِحَالَةِ الِاسْتِهْزَاءِ بِالرُّسُلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute