للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا بَيَانٌ لِلسَّبَبِ الَّذِي بَعَثَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْمَقَالَةِ الشَّنِيعَةِ، أَيْ أَعْمَاهُمُ الْحَسَدُ فَزَادَهُمْ طُغْيَانًا وَكُفْرًا، وَفِي هَذَا إِعْدَادٌ لِلرَّسُولِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لِأَخْذِ الْحَذَرِ مِنْهُمْ، وَتَسْلِيَةٌ لَهُ بِأَنَّ فَرْطَ حَنَقِهِمْ هُوَ الَّذِي أَنْطَقَهُمْ بِذَلِكَ الْقَوْلِ الْفَظِيعِ.

وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ.

عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ وَلُعِنُوا بِما قالُوا عَطْفَ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ. وَفِي هَذَا الْخَبَرِ الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ عَاقَبَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى بُغْضِهِمُ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ أَلْقَى الْبَغْضَاءَ بَيْنَ بَعْضِهِمْ وَبَعْضٍ، فَهُوَ جَزَاءٌ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، وَهُوَ تَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُهِمَّهُ أَمْرُ عَدَاوَتِهِمْ لَهُ، فَإِنَّ الْبَغْضَاءَ سَجِيَّتُهُمْ حَتَّى بَيْنَ أَقْوَامِهِمْ وَأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ دَائِمٌ لَهُمْ شَأْنَ الْأَوْصَافِ الَّتِي عَمِيَ أَصْحَابُهَا عَنْ مُدَاوَاتِهَا بِالتَّخَلُّقِ الْحَسَنِ. وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ آنِفًا.

كُلَّما أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ.

تَرْكِيبُ أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ تَمْثِيلٌ، شُبِّهَ بِهِ حَالُ التَّهَيُّؤِ لِلْحَرْبِ وَالِاسْتِعْدَادِ لَهَا وَالْحَزَامَةِ فِي أَمْرِهَا، بِحَالِ مَنْ يُوقِدُ النَّارَ لحَاجَة بهَا فتنطفىء، فَإِنَّهُ شَاعَتِ اسْتِعَارَاتُ مَعَانِي التَّسْعِيرِ وَالْحَمْيِ وَالنَّارِ وَنَحْوِهَا لِلْحَرْبِ، وَمِنْهُ حَمِيَ الْوَطِيسُ، وَفُلَانٌ مِسْعَرُ حَرْبٍ، وَمِحَشُّ حَرْبٍ، فَقَوْلُهُ: أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ كَذَلِكَ، وَلَا نَارَ فِي الْحَقِيقَةِ، إِذْ لَمْ يُؤْثَرْ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّ لَهُمْ نَارًا تَخْتَصُّ بِالْحَرْبِ تُعَدُّ فِي نِيرَانِ الْعَرَبِ الَّتِي يُوقِدُونَهَا لِأَغْرَاضٍ. وَقَدْ وَهِمَ مَنْ ظَنَّهَا حَقِيقَةً، وَنَبَّهَ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى وَهْمِهِ.

وَشَبَّهَ حَالَ انْحِلَالِ عَزْمِهِمْ أَوِ انْهِزَامِهِمْ وَسُرْعَةِ ارْتِدَادِهِمْ عَنْهَا، وَإِحْجَامِهِمْ عَنْ مُصَابَحَةِ أَعْدَائِهِمْ، بِحَالِ مَنِ انْطَفَأَتْ نَارُهُ الَّتِي أَوْقَدَهَا.