للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَقَامَ لِلْأَمْرِ بِالتِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مُطْلَقًا، وَإِلَى قَوْلِهِ: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الْفرْقَان: ١] فِي مَقَامِ كَوْنِهِ فَارِقًا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَلِهَذَا لَمْ يُوصَفْ مِنَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ بِوَصْفِ الْقُرْآنِ غَيْرُ الْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ على مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَمَعْنَى فَرَقْناهُ جَعَلْنَاهُ فَرْقًا، أَيْ أَنْزَلْنَاهُ مُنَجَّمًا مُفَرَّقًا غَيْرَ مُجْتَمِعٍ صَبْرَةً وَاحِدَةً.

يُقَالُ: فَرَّقَ الْأَشْيَاءَ إِذَا بَاعَدَ بَيْنَهَا، وَفَرَّقَ الصَّبْرَةَ إِذَا جَزَّأَهَا. وَيُطْلَقُ الْفَرْقُ عَلَى الْبَيَانِ لِأَنَّ الْبَيَانَ يُشْبِهُ تَفْرِيقَ الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِطَةِ، فَيَكُونُ فَرَقْناهُ مُحْتَمِلًا مَعْنَى بَيَّنَّاهُ وَفَصَّلْنَاهُ، وَإِذْ قَدْ كَانَ قَوْلُهُ: قُرْآناً حَالًا مِنْ ضَمِيرِ فَرَقْناهُ آلَ الْمَعْنَى إِلَى: أَنَّا فَرَقْنَاهُ وَأَقْرَأْنَاهُ.

وَقَدْ عُلِّلَ بِقَوْلِهِ: لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ. فَهُمَا عِلَّتَانِ: أَنْ يُقْرَأَ عَلَى النَّاسِ وَتِلْكَ عِلَّةٌ لِجَعْلِهِ قُرْآنًا، وَأَنْ يُقْرَأَ عَلَى مُكْثٍ، أَيْ مَهَلٍ وَبُطْءٍ وَهِيَ عِلَّةٌ لِتَفْرِيقِهِ.

وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ أَلْفَاظُهُ وَمَعَانِيهِ أَثْبَتَ فِي نُفُوسِ السَّامِعِينَ.

وَجُمْلَةُ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَقُرْآناً فَرَقْناهُ. وَفِي فِعْلِ نَزَّلْناهُ الْمُضَاعَفِ وَتَأْكِيدِهِ بِالْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ إِشَارَةٌ إِلَى تَفْرِيقِ إِنْزَالِهِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ [الْإِسْرَاء: ١٠٥] .

وَطُوِيَ بَيَانُ الْحِكْمَةِ لِلِاجْتِزَاءِ بِمَا فِي قَوْلِهِ: لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ مِنِ اتِّحَادِ الْحِكْمَةِ. وَهِيَ مَا صَرَّحَ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا [الْفرْقَان: ٣٢] .

وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ: فَرَّقْنَا إِنْزَالَهُ رَعْيًا لِلْأَسْبَابِ والحوادث. وَفِي كَلَام الْوَجْهَيْنِ إِبْطَالٌ لَشُبْهَتِهِمْ إِذْ قَالُوا: لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً [الْفرْقَان: ٣٢] .