للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَقُلْ: جَزَاؤُهُمُ الْجَنَّةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا الْأُسْلُوبِ فِي الْمُخَالِفِ بَيْنَ وَصْفِ الْجَزَاءَيْنِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها [الْكَهْف: ٢٩] ثُمَّ قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [الْكَهْف: ٣٠] .

وَفِي الْإِتْيَان ب كانَتْ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُمُ الْجَنَّاتِ أَمْرٌ مُسْتَقِرٌّ مِنْ قَبْلُ مُهَيَّأٌ لَهُمْ.

وَجِيءَ بِلَامِ الِاسْتِحْقَاقِ تَكْرِيمًا لَهُمْ بِأَنَّهُمْ نَالُوا الْجَنَّةَ بِاسْتِحْقَاقِ إِيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمْ.

كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف: ٧٢] .

وَجَمْعُ الْجَنَّاتِ إِيمَاءً إِلَى سَعَةِ نَعِيمِهِمْ، وَأَنَّهَا جنان كَثِيرَةٌ كَمَا

جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ»

. وَالْفِرْدَوْسُ: الْبُسْتَانُ الْجَامِعُ لِكُلِّ مَا يَكُونُ فِي الْبَسَاتِينِ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ هُوَ مُعَرَّبٌ عَنِ الرُّومِيَّةِ. وَقِيلَ عَنِ السُّرْيَانِيَّةِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ عَرَبِيٌّ، أَيْ لَيْسَ مُعَرَّبًا. وَلَمْ يَرِدْ ذِكْرُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَبْلَ الْقُرْآنِ. وَأَهْلُ الشَّامِ يَقُولُونَ لِلْبَسَاتِينِ وَالْكُرُومِ: الْفَرَادِيسُ. وَفِي مَدِينَةِ حَلَبَ بَابٌ يُسَمَّى بَابُ الْفَرَادِيسِ.

وَإِضَافَةُ الْجَنَّاتِ إِلَى الْفِرْدَوْسِ بَيَانِيَّةٌ، أَيْ جَنَّاتٌ هِيَ مِنْ صِنْفِ الْفِرْدَوْسِ.

وَوَرَدَ فِي

الْحَدِيثِ أَنَّ الْفِرْدَوْسَ أَعْلَى الْجَنَّةِ أَوْ وَسَطُ الْجَنَّةِ

. وَذَلِكَ إِطْلَاقٌ آخَرُ عَلَى هَذَا الْمَكَانِ الْمَخْصُوصِ يَرْجِعُ إِلَى أَنَّهُ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ.

فَإِنْ حُمِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَيْهِ كَانَتْ إِضَافَةُ جَنَّاتُ إِلَى الْفِرْدَوْسِ إِضَافَةً حَقِيقِيَّةً، أَيْ جَنَّاتُ هَذَا الْمَكَانِ.