وَلَا مُلْجِئَ إِلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ فِي الْمُعَادِ، وَقَدْ عَلِمْتَ تَوْجِيهَ الِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ لِتَصْحِيحِ الْعُمُومِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِنْكَارِيًّا نَزَلَتْ غَفْلَتُهُمْ عَنْ إِهْلَاكِ الْقُرُونِ مَنْزِلَةَ عَدَمِ الْعِلْمِ فَأُنْكِرَ عَلَيْهِمْ عَدَمُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ وَهُوَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ، وَيَجُوزُ كَوْنُ الِاسْتِفْهَامِ تَقْرِيرِيًّا بُنِيَ التَّقْرِيرُ عَلَى نَفْيِ الْعلم بإهلاك الْقُرْآن اسْتِقْصَاءً لِمَعْذِرَتِهِمْ حَتَّى لَا يَسَعَهُمْ إِلَّا الْإِقْرَار بِأَنَّهُم عالمون فَيَكُونُ إِقْرَارُهُمْ أَشَدَّ لُزُومًا لَهُمْ لِأَنَّهُمُ اسْتَفْهَمُوا عَلَى النَّفْيِ فَكَانَ يَسَعُهُمْ أَنْ يَنْفُوا ذَلِكَ.
وَالرُّؤْيَةُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ عِلْمِيَّةٌ وَلَيْسَتْ بَصَرِيَّةً لِأَنَّ إِهْلَاكَ الْقُرُونِ لَمْ يَكُنْ مَشْهُودًا لِأُمَّةٍ جَاءَتْ بَعْدَ الْأُمَّةِ الَّتِي أُهْلِكَتْ قَبْلَهَا. وَفَعَلُ الرُّؤْيَةِ مُعَلَّقٌ عَنِ الْعَمَلِ بِوُرُودِ كَمْ لِأَنَّ كَمْ لَهَا صَدْرُ الْكَلَامِ سَوَاءً كَانَتِ اسْتِفْهَامًا أَمْ خَبَرًا، فَإِنَّ كَمْ الْخَبَرِيَّةَ مَنْقُولَةٌ مِنَ الِاسْتِفْهَامِيَّةِ وَمَا لَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ لَا يَعْمَلُ مَا قَبْلَهُ فِيمَا بَعْدَهُ.
وكَمْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِ أَهْلَكْنا: وَمُفَادُهَا كَثْرَةٌ مُبْهَمَةٌ فُسِّرَتْ بِقَوْلِهِ: مِنَ الْقُرُونِ وَوَقَعَتْ كَمْ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ لِقَوْلِهِ: أَهْلَكْنا.
وقَبْلَهُمْ ظَرْفٌ لِ أَهْلَكْنا وَمَعْنَى قَبْلَهُمْ: قَبْلَ وُجُودِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلَكْنا لِأَنَّ الْإِهْلَاكَ يَشْتَمِلُ عَلَى عَدَمِ الرُّجُوعِ أُبَدِلَ الْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْ «أَنْ» وَمَا بَعْدَهَا مِنْ مَعْنَى جُمْلَةِ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ لِأَنَّ مَعْنَى تِلْكَ الْجُمْلَةِ كَثْرَة الإهلاك أَو كَثْرَةُ الْمُهْلَكِينَ. وَفِعْلُ الرُّؤْيَةِ عَامِلٌ فِي أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ بِالتَّبَعِيَّةِ لِتَسَلُّطِ مَعْنَى الْفِعْلِ عَلَى جُمْلَةِ كَمْ أَهْلَكْنا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يُبْطِلُ الْعَمَلَ فِي اللَّفْظِ لَا فِي الْمَحَلِّ.
وَفَائِدَةُ هَذَا الْبَدَلِ تَقْرِيرُ تَصْوِيرِ الْإِهْلَاكِ لِزِيَادَةِ التَّخْوِيفِ، وَلِاسْتِحْضَارِ تِلْكَ الصُّورَةِ فِي الْإِهْلَاكِ أَيْ إِهْلَاكًا لَا طماعية مَعَه لرجوع إِلَى الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْإِهْلَاكُ مِنْ عَدَمِ الرُّجُوعِ إِلَى الْأَهْلِ وَالْأَحْبَابِ مِمَّا يَزِيدُ الْحَسْرَةَ اتِّضَاحًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute