كَقَوْلِهِ: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [سبأ: ٢٩] وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ [ص: ١٦] .
وَالْإِشْفَاقُ: رَجَاءُ وُقُوعِ مَا يُكْرَهُ، أَيْ مُشْفِقُونَ مِنْ أَهْوَالِهَا، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الْأَنْبِيَاء: ٢٨] . وَإِنَّمَا جَعَلَ الْإِشْفَاقَ مِنْ ذَاتِ السَّاعَةِ لِإِفَادَةِ تَعْظِيمِ أَهْوَالِهَا حَتَّى كَأَنَّ أَحْوَالَهَا هِيَ ذَاتُهَا، عَلَى طَرِيقَةِ إِسْنَادِ الْحُكْمِ وَنَحْوِهِ إِلَى الْأَعْيَانِ نَحْوَ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [الْمَائِدَة: ٣] ، فَهُمْ يَتَوَخَّوْنَ النَّجَاةَ مِنْهَا بِالطَّاعَةِ وَالتَّقْوَى، أَيْ فَهُمْ لَا يَسْتَعْجِلُونَ بِهَا وَإِنَّمَا يَغْتَنِمُونَ بَقَاءَهُمْ فِي الدُّنْيَا لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالتَّوْبَةِ.
وَالْمُرَادُ بِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ: الْمُشْرِكُونَ، وَعَبَّرَ عَنْهُمْ بِالْمَوْصُولِ لِأَنَّ الصِّلَةَ تَدُلُّ عَلَى عِلَّةِ اسْتِعْجَالِهِمْ بِهَا، وَالْمُرَادُ بِالَّذِينِ آمَنُوا: الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّ هَذَا لَقَبٌ لَهُمْ، فَفِي الْكَلَامِ احْتِبَاكٌ، تَقْدِيرُهُ: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا فَلَا يُشْفِقُونَ مِنْهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا فَلَا يَسْتَعْجِلُونَ بِهَا.
وَعُطِفَتْ عَلَى مُشْفِقُونَ مِنْها جُمْلَةُ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ لِإِفَادَةِ أَنَّ إِشْفَاقَهُمْ مِنْهَا إِشْفَاقٌ عَنْ يَقِينٍ وَجَزْمٍ لَا إِشْفَاقٌ عَنْ تَرَدُّدٍ وَخَشْيَةِ أَنْ يَكْشِفَ الْوَاقِعُ عَلَى صِدْقِ الْإِخْبَارِ بِهَا وَأَنَّهُ احْتِمَالٌ مُسَاوٍ عِنْدَهُمْ. وَتَعْرِيفُ الْحَقُّ فِي قَوْلِهِ: أَنَّهَا الْحَقُّ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ وَهُوَ يُفِيدُ قَصْرَ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ قَصْرَ مُبَالَغَةٍ لِكَمَالِ الْجِنْسِ فِي الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ نَحْوَ: عَنْتَرَةُ الشُّجَاعُ، أَيْ يُوقِنُونَ بِأَنَّهَا الْحَقُّ كُلَّ الْحَقِّ، وَذَلِكَ لِظُهُورِ دَلَائِلِ وُقُوعِهَا حَتَّى كَأَنَّهُ لَا حَقَّ غَيْرُهُ.
أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ.
الْجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا بِصَرِيحِهَا وَكِنَايَتِهَا لِأَنَّ صَرِيحَهَا إِثْبَاتُ الضَّلَالِ لِلَّذِينِ يُكَذِّبُونَ بِالسَّاعَةِ وَكِنَايَتَهَا إِثْبَاتُ الْهُدَى لِلَّذِينِ يُؤْمِنُونَ بِالسَّاعَةِ. وَهَذَا التَّذْيِيلُ فَذْلَكَةٌ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute