وَسَلَّمَ لَوْ وَقَعَتْ لَأَكْسَبَتْ مَقْصِدَ وَاضِعِيهِ رَوَاجًا بَيْنَ الْأُمَّةِ وَهُوَ غَرَضُهُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ جَمَاعَاتِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالْفَاءُ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ لِأَحَقِّيَّةِ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ بِالتَّصْدِيرِ. وَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيٌّ.
وَالتَّأْسِيسُ: بِنَاءُ الْأَسَاسِ، وَهُوَ قَاعِدَةُ الْجِدَارِ الْمَبْنِيِّ مِنْ حَجَرٍ وَطِينٍ أَوْ جَصٍّ.
وَالْبُنْيَانُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ بِوَزْنِ الْغُفْرَانِ وَالْكُفْرَانِ، اسْمٌ لِإِقَامَةِ الْبَيْتِ وَوَضْعِهِ سَوَاءً كَانَ الْبَيْتُ مِنْ أَثْوَابٍ أَمْ مِنْ أَدَمٍ أَمْ كَانَ مِنْ حَجَرٍ وَطِينٍ فَكُلُّ ذَلِكَ بِنَاءٌ. وَيُطْلَقُ الْبُنْيَانُ عَلَى الْمَبْنِيِّ مِنَ الْحَجَرِ وَالطِّينِ خَاصَّةً. وَهُوَ هَنَا مُطْلَقٌ عَلَى الْمَفْعُولِ، أَي الْمَبْنِيّ. وَمَا صدق (مَنْ) صَاحِبُ الْبِنَاءِ وَمُسْتَحِقُّهُ، فَإِضَافَةُ الْبُنْيَانِ إِلَى ضَمِيرِ (مَنْ) إِضَافَةٌ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ.
وَشُبِّهَ الْقَصْدُ الَّذِي جُعِلَ الْبِنَاءُ لِأَجْلِهِ بِأَسَاسِ الْبِنَاءِ، فَاسْتُعِيرَ لَهُ فِعْلُ أُسِّسَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِ الْأَسَاسِ أَنْ تُطْلَبَ لَهُ صَلَابَةُ الْأَرْضِ لِدَوَامِهِ جُعِلَتِ التَّقْوَى فِي الْقَصْدِ الَّذِي بُنِيَ لَهُ أَحَدُ الْمَسْجِدَيْنِ، فَشُبِّهَتِ التَّقْوَى بِمَا يَرْتَكِزُ عَلَيْهِ الْأَسَاسُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَكْنِيَّةِ، وَرُمِزَ إِلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ الْمَحْذُوفِ بِشَيْءٍ مِنْ مُلَائِمَاتِهِ وَهُوَ حَرْفُ الِاسْتِعْلَاءِ. وَفُهِمَ أَنَّ هَذَا الْمُشَبَّهَ بِهِ شَيْءٌ رَاسِخٌ ثَابِتٌ بِطَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ فِي تَشْبِيهِ الضِّدِّ بِمَا أُسِّسَ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ شُبِّهَ الْمَقْصِدُ الْفَاسِدُ بِالْبِنَاءِ بِجَرْفِ جُرُفٍ مُنْهَارٍ فِي عَدَمِ ثَبَاتِ مَا يُقَامُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَسَاسِ بَلْهَ الْبِنَاءِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ. وَحَرْفُ الِاسْتِعْلَاءِ تَرْشِيحٌ.
وَفُرِّعَ عَلَى هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ الْأَخِيرَةِ تَمْثِيلُ حَالَةِ هَدْمِهِ فِي الدُّنْيَا وَإِفْضَائِهِ بِبَانِيهِ إِلَى جَهَنَّمَ فِي الْآخِرَةِ بِانْهِيَارِ الْبِنَاءِ الْمُؤَسَّسِ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارَ بِسَاكِنِهِ فِي هُوَّةٍ. وَجَعَلَ الِانْهِيَارَ بِهِ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ إِفْضَاءً إِلَى الْغَايَةِ مِنَ التَّشْبِيهِ. فَالْهَيْئَةُ الْمُشَبَّهَةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مَحْسُوسٍ وَمَعْقُولٍ وَكَذَلِكَ الْهَيْئَةُ الْمُشَبَّهُ بِهَا. وَمَقْصُودٌ أَنَّ الْبُنْيَانَ الْأَوَّلَ حَصَلَ مِنْهُ غَرَضُ بَانِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute