وَضَمِيرُ آثارِهِمْ لِلنَّبِيئِينَ وَالرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَارِ. وَقَدْ أُرْسِلَ عِيسَى على عقب زَكَرِيَّاء كَافِلِ أُمِّهِ مَرْيَمَ وَوَالِدِ يَحْيَى. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى عَلى آثارِهِمْ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ وَهَدْيِهِمْ. وَالْمُصَدِّقُ:
الْمُخْبِرُ بِتَصْدِيقِ مُخْبِرٍ، وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا الْمُؤَيِّدُ الْمُقَرِّرُ لِلتَّوْرَاةِ.
وَجَعَلَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّهَا تَقَدَّمَتْهُ، وَالْمُتَقَدِّمُ يُقَالُ: هُوَ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ تَقَدَّمَ. ومِنَ التَّوْراةِ بَيَانٌ لِما. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ.
وَجُمْلَةُ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ حَالٌ. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الْهُدَى وَالنُّورِ.
ومُصَدِّقاً حَالٌ أَيْضًا مِنَ الْإِنْجِيلِ فَلَا تَكْرِيرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِاخْتِلَافِ صَاحِبِ الْحَالِ وَلِاخْتِلَافِ كَيْفِيَّةِ التَّصْدِيقِ فَتَصْدِيقُ عِيسَى التَّوْرَاةَ أَمْرُهُ بِإِحْيَاءِ أَحْكَامِهَا، وَهُوَ تَصْدِيقٌ حَقِيقِيٌّ وَتَصْدِيقُ الْإِنْجِيلِ التَّوْرَاةَ اشْتِمَالُهُ عَلَى مَا وَافَقَ أَحْكَامَهَا فَهُوَ تَصْدِيقٌ مَجَازِيٌّ. وَهَذَا التَّصْدِيقُ لَا يُنَافِي أَنَّهُ نَسَخَ بَعْضَ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [آل عمرَان: ٥٠] ، لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُثْبَتَ لَا عُمُومَ لَهُ.
وَالْمَوْعِظَةُ: الْكَلَامُ الَّذِي يُلَيِّنُ الْقَلْبَ وَيَزْجُرُ عَنْ فِعْلِ الْمَنْهِيَّاتِ.
وَجُمْلَةُ وَلْيَحْكُمْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى آتَيْناهُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَلْيَحْكُمْ- بِسُكُونِ اللَّامِ وَبِجَزْمِ الْفِعْلِ- عَلَى أَنَّ اللَّامَ لَامُ الْأَمْرِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ سَابِقٌ عَلَى مَجِيءِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الَّذِينَ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عِيسَى مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَعُلِمَ أَنَّ فِي الْجُمْلَةِ قَوْلًا مُقَدَّرًا هُوَ الْمَعْطُوفُ عَلَى جُمْلَةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ، أَيْ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ الْمَوْصُوفَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ الْعَظِيمَةِ، وَقُلْنَا: لِيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ، فَيَتِمُّ التَّمْهِيدُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، فَقَرَائِنُ تَقْدِيرِ الْقَوْلِ مُتَظَافِرَةٌ مِنْ أُمُورٍ عِدَّةٍ.
وَقَرَأَ حَمْزَةُ- بِكَسْرِ لَامِ- لْيَحْكُمْ وَنَصْبِ الْمِيمِ- عَلَى أَنَّ اللَّامَ لَامُ كَيْ لِلتَّعْلِيلِ، فَجُمْلَةُ لْيَحْكُمْ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ فِيهِ هُدىً إِلَخْ، الَّذِي هُوَ حَالٌ، عُطِفَتِ الْعِلَّةُ عَلَى الْحَالِ عَطْفًا ذِكْرِيًّا لَا يُشَرِّكُ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute