للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَيْئَةُ مَنْ يَعْمَلُ بِوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ بِهَيْئَةِ الْمَاشِي عَلَى أَثَرِ غَيْرِهِ شُبِّهَ مَا يَعْتَرِيهِ مِنَ الضُّرِّ فِي ذَلِكَ الْمَشْيِ بِزَلَلِ الرِّجْلِ فِي الْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ الْمُزْلَقَةِ، وَقَدِ اسْتُفِيدَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَأْمُرُ بِهِ الشَّيْطَانُ هُوَ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ الْمُزْلَقَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمَكْنِيَّةِ وَقَوْلُهُ:

زَلَلْتُمْ تَخْيِيلٌ وَهُوَ تَمْثِيلِيَّةٌ فَهُوَ مِنَ التَّخْيِيلِ الَّذِي كَانَ مَجَازًا وَالْمَجَازُ هُنَا فِي مُرَكَّبِهِ.

وَالْبَيِّنَاتُ: الْأَدِلَّةُ وَالْمُعْجِزَاتُ وَمَجِيئُهَا ظُهُورهَا وَبَيَانُهَا، لِأَنَّ الْمَجِيءَ ظُهُورُ شَخْصِ الْجَائِي بَعْدَ غَيْبَتِهِ.

وَجِيءَ فِي الشَّرْطِ بِإِنْ لِنُدْرَةِ حُصُولِ هَذَا الزَّلَلِ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا أَوْ لِعَدَمِ رَغْبَةِ الْمُتَكَلِّمِ فِي حُصُولِهِ إِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِمَنْ آمَنَ بِظَاهِرِهِ دُونَ قَلْبِهِ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَا خَامَرَ نُفُوسَهُمْ مِنْ كَرَاهِيَةِ الصُّلْحِ هُوَ زَلَّةٌ عَظِيمَةٌ. وَقَوْلُهُ: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ جَوَابُ الشَّرْطِ، وأَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، مفعول فَاعْلَمُوا، وَالْمَقْصُودُ عِلْمُ لَازِمِهِ وَهُوَ الْعِقَابُ.

وَالْعَزِيزُ فَعِيلٌ مِنْ عَزَّ إِذَا قَوِيَ وَلَمْ يُغْلَبْ، وَأَصله مِنَ الْعِزَّةِ وَقَدْ مر الْكَلَام عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ [الْبَقَرَة: ٢٠٦] وَهُوَ ضِدٌّ، فَكَانَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ تَعَالَى عَزِيزٌ مُسْتَلْزِمًا تَحَقُّقَهُمْ أَنَّهُ مُعَاقِبُهُمْ لَا يُفْلِتُهُمْ، لِأَنَّ الْعَزِيزَ لَا يَنْجُو مَنْ يُنَاوِئُهُ.

وَالْحَكِيمُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ فَاعِلٍ مِنْ حَكَمَ أَيْ قَوِيُّ الْحُكْمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الْمُحْكِمُ لِلْأُمُورِ فَهُوَ مِنْ مَجِيءِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ، وَمُنَاسَبَتُهُ هُنَا أَنَّ الْمُتْقِنَ لِلْأُمُورِ لَا يُفْلِتُ مُسْتَحِقَّ الْعُقُوبَةِ، فَالْكَلَامُ وَعِيدٌ وَإِلَّا فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ قَوْلَهُ: فَاعْلَمُوا تَنْزِيلًا لِعِلْمِهِمْ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ لِعَدَمِ جَرْيِهِمْ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مِنَ الْمُبَادَرَةِ إِلَى الدُّخُولِ فِي الدِّينِ أَوْ لِمُخَالَفَةِ أَحْكَامِ الدِّينِ أَوْ مِنَ الِامْتِعَاضِ بِالصُّلْحِ الَّذِي عَقَدَهُ الرَّسُولُ.

وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى: مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ إعذار لَهُمْ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ تَفْوِيضُ الْعِلْمِ إِلَى اللَّهِ الَّذِي أَوْحَى إِلَى رَسُولِهِ بِإِبْرَامِ الصُّلْحِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّهُ مَا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَّا لِمَصْلَحَةٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَهْنٍ لِلْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لَا يَهِنُ لِأَحَدٍ، وَلِأَنَّهُ حَكِيمٌ يَضَعُ الْأُمُورَ فِي مَوَاضِعِهَا، وَيَخْتَارُ لِلْمُسْلِمِينَ مَا فِيهِ نَصْرُ دِينِهِ وَقَدْ رَأَيْتُمُ الْبَيِّنَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى عِنَايَةِ اللَّهِ بِرَسُولِهِ وَأَنَّهُ لَا يُخْزِيهِ وَلَا يُضَيِّعُ أَمْرَهُ وَمِنْ تِلْكَ الْبَيِّنَاتِ مَا شَاهَدُوهُ مِنَ النَّصْرِ يَوْمَ بَدْرٍ.