للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِأَنْ نَهَى اللَّهُ رَسُولَهُ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَأَمَرَهُ بِهَدْمِهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا نَهَاهُ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ فَقَدْ صَارَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ مَنْهِيِّينَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَسُلِبَ عَنْهُ حُكْمُ الْمَسَاجِدِ، وَلِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَدْمِهِ. وَيُرَجَّحُ هَذَا الْوَجْهُ أَنَّهُ لَمْ يُؤْتَ بِضَمِيرِ الْمَسْجِدِ أَوِ الْبُنْيَانِ بَلْ جِيءَ بِاسْمِهِ الظَّاهِرِ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ خَبَرًا ثَانِيًا عَنِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً [التَّوْبَة: ١٠٧] كَأَنَّهُ قِيلَ: لَا تَقُمْ فِيهِ وَلَا يَزَالُ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ، وَيَكُونُ إِظْهَارُ لَفْظِ بُنْيانُهُمُ لِزِيَادَةِ إِيضَاحِهِ.

وَالرَّابِطُ هُوَ ضَمِيرُ قُلُوبِهِمْ.

وَالْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَسْجِدَ لَمَّا بَنَوْهُ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ فَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَبًا لِبَقَاءِ النِّفَاقِ فِي قُلُوبِهِمْ مَا دَامَتْ قُلُوبُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ.

وَجَعْلُ الْبُنْيَانِ رِيبَةً مُبَالَغَةٌ كَالْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَبَبٌ لِلرِّيبَةِ فِي قُلُوبِهِمْ.

وَالرِّيبَةُ: الشَّكُّ، فَإِنَّ النِّفَاقَ شَكٌّ فِي الدِّينِ، لِأَنَّ أَصْحَابَهُ يَتَرَدَّدُونَ بَيْنَ مُوَالَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْإِخْلَاصِ لِلْكَافِرِينَ.

وَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ اسْتِثْنَاءٌ تَهَكُّمِيٌّ. وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ [الْأَعْرَاف: ٤٠] ، أَيْ يَبْقَى رِيبَةً أَبَدًا إِلَّا أَنْ تُقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ مِنْهُمْ وَمَا هِيَ بِمُقَطَّعَةٍ.

وَجُمْلَةُ: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ تَذْيِيلٌ مُنَاسِبٌ لِهَذَا الْجَعْلِ الْعَجِيبِ وَالْإِحْكَامِ الرَّشِيقِ.

وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبِنَاءُ سَبَبَ حَسْرَةٍ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ تَقَطَّعَ بِضَمِّ التَّاءِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ تَقَطَّعَ بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ تَتَقَطَّعَ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ إِلَى أَنْ تَقَطَّعَ بِحَرْفِ (إِلَى) الَّتِي للانتهاء.