وَمُهِّدَ لِنَبَإِ مُوسَى وَفرْعَوْن بقوله نَتْلُوا عَلَيْكَ لِلتَّشْوِيقِ لِهَذَا النَّبَإِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَتَّى الْعِبَرِ بِعَظِيمِ تَصَرُّفِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ.
وَالتِّلَاوَةُ: الْقِرَاءَةُ لِكَلَامٍ مَكْتُوبٍ أَوْ مَحْفُوظٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ [النَّمْل:
٩٢] ، وَهُوَ يَتَعَدَّى إِلَى مَنْ تَبْلُغُ إِلَيْهِ التِّلَاوَةُ بِحَرْفِ (عَلَى) وَتَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّياطِينُ فِي الْبَقَرَةِ [١٠٢] ، وَقَوْلِهِ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [٢] .
وَإِسْنَادُ التِّلَاوَةِ إِلَى اللَّهِ إِسْنَادٌ مَجَازِيٌّ لِأَنَّهُ الَّذِي يَأْمُرُ بِتِلَاوَةِ مَا يُوحَى إِلَيْهِ مِنَ الْكَلَامِ
وَالَّذِي يَتْلُو حَقِيقَةً هُوَ جِبْرِيلُ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٥٢] .
وَجُعِلَتِ التِّلَاوَةُ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَلَقَّى ذَلِكَ الْمَتْلُوَّ. وَعُبِّرَ عَنْ هَذَا الْخَبَرِ بِالنَّبَإِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ خَبَرٌ ذُو شَأْنٍ وَأَهَمِّيَّةٍ.
وَاللَّامُ فِي لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ لَامُ التَّعْلِيلِ، أَيْ نَتْلُو عَلَيْكَ لِأَجْلِ قَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فَكَانَتِ الْغَايَةُ مِنْ تِلَاوَةِ النَّبَإِ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِذَلِكَ قَوْمٌ يُؤْمِنُونَ فَالنَّبِيءُ يُبَلِّغُ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ كَانَ فَرِيقٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ سَأَلُوا أَوْ تَشَوَّفُوا إِلَى تَفْصِيلِ مَا جَاءَ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ وَسُورَةِ النَّمْلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَتَخْصِيصُهُمْ بِالتَّعْلِيلِ وَاضِحٌ وَانْتِفَاعُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ مَعَهُمْ أَجْدَرُ وَأَقْوَى، فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِالذِّكْرِ اجْتِزَاءً بِدَلَالَةِ الْفَحْوَى لِأَنَّ الْمَقَامَ لِإِفَادَةِ مَنْ سَأَلَ وَغَيْرُهُمْ غَيْرُ مُلْتَفِتٍ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نُزُولُ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَنْ تَشَوُّفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَتَخْصِيصُ الْمُؤْمِنِينَ بِالتِّلَاوَةِ لِأَجْلِهِمْ تَنْوِيهٌ بِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِالْعِبَرِ وَالْمَوَاعِظِ لِأَنَّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ أَصْبَحُوا مُتَطَلِّبِيَنَ لِلْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ مُتَشَوِّفِينَ لِأَمْثَالِ هَذِهِ الْقِصَصِ النَّافِعَةِ لِيَزْدَادُوا بِذَلِكَ يَقِينًا.
وَحُصُولُ ازْدِيَادِ الْعِلْمِ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ كَوْنِهِ هُوَ الْمُتَلَقِّي وَالْمُبَلِّغُ لِيَتَذَكَّرَ مِنْ ذَلِكَ مَا عَلِمَهُ مِنْ قَبْلُ وَيَزْدَادَ عِلْمًا بِمَا عَسَى أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ عَلِمَهُ، وَفِي ذَلِكَ تَثْبِيتُ فُؤَادِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute