للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَنْتَقِلُ مِنْ إِفَادَتِهَا الثُّبُوتَ إِلَى إِفَادَةِ الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ فَدَلَالَةُ الْآيَةِ عَلَى ثَبَاتِ الْمَثُوبَةِ بِالْعُدُولِ عَنْ نَصْبِ الْمَصْدَرِ إِلَى رَفْعِهِ كَمَا فِي سَلامٌ عَلَيْكُمْ والْحَمْدُ لِلَّهِ [الْفَاتِحَة: ٢] وَدَلَالَتِهَا عَلَى ثَبَاتِ نِسْبَةِ الْخَيْرِيَّةِ لِلْمَثُوبَةِ مِنْ كَوْنِ النِّسْبَةِ مُسْتَفَادَةً مِنْ جُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ فَصَارَتِ الْجُمْلَةُ بِمَنْزِلَةِ جُمْلَتَيْنِ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَصْدَرِ الْآتِي بَدَلًا مِنْ فِعْلِهِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى نِسْبَةٍ لِفَاعِلِهِ فَلَوْ قِيلَ (لَمَثُوبَةً) بِالنَّصْبِ لَكَانَ تَقْدِيره لأثيبوا مَثُوبَةً فَإِذَا حُوِّلَتْ إِلَى الْمَصْدَرِ الْمَرْفُوعِ لَزِمَ أَنْ تُعْتَبَرَ مَا

كَانَ فِيهِ مِنَ النِّسْبَةِ قَبْلَ الرَّفْعِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَصْدَرُ الْمَرْفُوعُ لَا نِسْبَةَ فِيهِ عَلِمَ السَّامِعُ أَنَّ التَّقْدِيرَ لَمَثُوبَةً لَهُمْ كَمَا أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ سَلَامًا وَحَمْدًا عَلِمَ السَّامِعُ أَنَّكَ تُرِيدُ سَلَّمْتُ سَلَامًا وَحَمِدْتُ حَمْدًا، فَإِذَا قُلْتَ سَلَامٌ وَحَمْدٌ كَانَ التَّقْدِيرُ سَلَامٌ مِنِّي وَحَمْدٌ مِنِّي، وَهَذَا وَجْهُ تَنْظِيرِ «الْكَشَّافِ» وَقَرِينَةُ كَوْنِ هَذَا الْمَصْدَرِ فِي الْأَصْلِ مَنْصُوبًا وُقُوعُهُ جَوَابًا لِلَوِ الْمُتَأَصِّلِ فِي الْفِعْلِيَّةِ، ثُمَّ إِذَا سَمِعَ قَوْلَهُ (خَيْرُ) عِلْمِ السَّامِعِ أَنَّهُ خَبَرٌ عَنِ الْمَثُوبَةِ بَعْدَ تَحْوِيلِهَا فَاسْتَفَادَ ثَبَاتَ الْخَيْرِيَّةِ وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» لِبَيَانِ إِفَادَةِ الْجُمْلَةِ ثَبَاتَ الْخَيْرِيَّةِ لِلْمَثُوبَةِ لِأَنَّهُ لِصَرَاحَتِهِ لَا يَحْتَاجُ لِلْبَيَانِ فَإِنَّ كُلَّ جُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ تَدُلُّ عَلَى ثَبَاتِ خَبَرِهَا لِمُبْتَدَئِهَا. وَبِهَذَا ظهر الترتب لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنِ الْمَثُوبَةِ بِأَنَّهَا خَيْرٌ أَنَّهَا تَثْبُتُ لَهُمْ لَوْ آمَنُوا.

وَعِنْدِي وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ قَوْلَهُ: لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ دَلِيلُ الْجَوَابِ بِطَرِيقَةِ التَّعْرِيضِ فَإِنَّهُ لَمَّا جُعِلَ مُعَلَّقًا عَلَى قَوْلِهِ: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا عُلِمَ أَنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ شَيْئًا يَهُمُّهُمْ. وَلَمَّا كَانَتْ (لَوِ) امْتِنَاعِيَّةً وَوَقَعَ فِي مَوْضِعِ جَوَابِهَا جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ تَامَّةٌ عَلِمَ السَّامِعُ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مُمْتَنِعٌ ثُبُوتُهُ لِمَنِ امْتَنَعَ مِنْهُ شَرْطُ لَوْ فَيَكُونُ تَنْكِيلًا عَلَيْهِمْ وَتَمْلِيحًا بِهِمْ.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ (لَوْ) لِلتَّمَنِّي عَلَى حَدِّ لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً [الشُّعَرَاء: ١٠٢] . وَالتَّحْقِيقُ أَنْ لَوِ الَّتِي لِلتَّمَنِّي هِيَ لَوِ الشَّرْطِيَّةٌ أُشْرِبَتْ مَعْنَى التَّمَنِّي لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ يَتَمَنَّى إِنَّ كَانَ مَحْبُوبًا:

وَأَحَبُّ شَيْءٍ إِلَى الْإِنْسَانِ مَا مُنِعَا وَاسْتُدِلَّ عَلَى هَذَا بِأَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لِلتَّمَنِّي أُجِيبَتْ جَوَابَيْنِ جَوَابًا مَنْصُوبًا كَجَوَابِ لَيْتَ وَجَوَابًا مُقْتَرِنًا بِاللَّامِ كَجَوَابِ الِامْتِنَاعِيَّةِ كَقَوْلِ الْمُهَلْهَلِ:

فَلَوْ نَبَشَ الْمَقَابِرَ عَنْ كُلَيِبٍ ... فَيُخْبِرُ بِالذَّنَائِبِ أَيُّ زِيرِ

وَيَوْمَ الشَّعْثَمَيْنِ لَقَرَّ عَيْنَا ... وَكَيْفَ لِقَاءُ مَنْ تَحْتَ الْقُبُورِ

فَأُجِيبَ بِقَوْلِهِ: فَيُخْبِرُ وَقَوْلِهِ: لَقَرَّ عَيْنَا. وَالتَّمَنِّي عَلَى تَقْدِيرِهِ مَجَازٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الدُّعَاءِ لِلْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ أَوْ تَمْثِيلٍ لِحَالِ الدَّاعِي لِذَلِكَ بِحَالِ الْمُتَمَنِّي فَاسْتَعْمَلَ لَهُ الْمُرَكَّبَ الْمَوْضُوعَُُ