(١٠٧)
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ مَنْصُوبًا عَلَى الظَّرْفِ، مُتَعَلِّقًا بِمَا فِي قَوْلِهِ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ مَعْنَى كَائِنٍ أَوْ مُسْتَقِرٍّ: أَيْ يَكُونُ عَذَابٌ لَهُمْ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، وَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى أَكْثَرِ الِاسْتِعْمَالِ فِي إِضَافَةِ أَسْمَاءِ الزَّمَانِ إِلَى الْجُمَلِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ لِفِعْلِ اذْكُرْ مَحْذُوفًا، وَتَكُونُ جُمْلَةُ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ صفة ل (يَوْم) عَلَى تَقْدِيرِ: تَبْيَضُّ فِيهِ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ فِيهِ وُجُوهٌ.
وَفِي تَعْرِيفِ هَذَا الْيَوْمِ بِحُصُولِ بَيَاضِ وُجُوهٍ وَسَوَادِ وُجُوهٍ فِيهِ، تَهْوِيلٌ لِأَمْرِهِ، وَتَشْوِيقٌ لِمَا يَرِدُ بَعْدَهُ مِنْ تَفْصِيلِ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ الْمُبْيَضَّةِ، وَالْوُجُوهِ الْمُسْوَدَّةِ: تَرْهِيبًا لِفَرِيقٍ وَتَرْغِيبًا لِفَرِيقٍ آخَرَ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ عِلْمَ السَّامِعِينَ بِوُقُوعِ تَبْيِيضِ وُجُوهٍ وَتَسْوِيدِ وُجُوهٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حَاصِلٌ مِنْ قَبْلُ: فِي الْآيَاتِ النَّازِلَةِ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر: ٦٠] وَقَوْلُهُ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ [عبس: ٣٨- ٤١] .
وَالْبَيَاضُ وَالسَّوَادُ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ حَقِيقِيَّانِ يُوسَمُ بِهِمَا الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُمَا بَيَاضٌ وَسَوَادٌ خَاصَّانِ لِأَن هَذَا م أَحْوَالِ الْآخِرَةِ فَلَا دَاعِيَ لِصَرْفِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ تَفْصِيلٌ لِلْإِجْمَالِ السَّابِقِ، سُلِكَ فِيهِ طَرِيقُ النَّشْرِ الْمَعْكُوسِ، وَفِيهِ إِيجَازٌ لِأَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ فَهُمُ الْكَافِرُونَ يُقَالُ لَهُمْ أكفرتم إِلَى آخر: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
قدّم عِنْدَ وَصْفِ الْيَوْمِ ذِكْرُ الْبَيَاضِ، الَّذِي هُوَ شِعَارُ أَهْلِ النَّعِيمِ، تَشْرِيفًا لِذَلِكَ الْيَوْمِ بِأَنَّهُ يَوْمُ ظُهُورِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ، وَلِأَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ سَبَقَتْ غَضَبَهُ، وَلِأَنَّ فِي ذِكْرِ سِمَةِ أَهْلِ النَّعِيمِ، عَقِبَ وَعِيدِ بِالْعَذَابِ، حَسْرَةً عَلَيْهِمْ، إِذْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute