للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَعْلَمُ السَّامِعُ أَنَّ لَهُمْ عَذَابًا عَظِيمًا فِي يَوْمٍ فِيهِ نُعَيْمٌ عَظِيمٌ، ثُمَّ قَدَّمَ فِي التَّفْصِيلِ ذِكْرَ سِمَةِ أَهْلِ الْعَذَابِ تَعْجِيلًا بِمُسَاءَتِهِمْ.

وَقَوْلُهُ أَكَفَرْتُمْ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ يُحْذَفُ مِثْلُهُ فِي الْكَلَامِ لِظُهُورِهِ: لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ مُسْتَفْهِمٍ، وَذَلِكَ الْقَوْلُ هُوَ جَوَابُ أَمَّا، وَلذَلِك لم تدحل الْفَاءُ عَلَى أَكَفَرْتُمْ لِيَظْهَرَ أَنْ لَيْسَ هُوَ الْجَوَابُ وَأَنَّ الْجَوَابَ حُذِفَ بِرُمَّتِهِ.

وَقَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ مَجْهُولٌ، إِذْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَحْشَرِ لَهُمْ وَهُمُ الَّذِينَ عَرَفُوهُمْ فِي الدُّنْيَا مُؤْمِنِينَ، ثُمَّ رَأَوْهُمْ وَعَلَيْهِمْ سِمَةُ الْكُفْرِ، كَمَا

وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْحَوْضِ «فَلَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ ثُمَّ يُخْتَلَجُونَ دوني، فَأَقُول: أصيحابي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ»

وَالْمُسْتَفْهِمُ سَلَفُهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ أَوْ رَسُولِهِمْ، فَالِاسْتِفْهَامُ عَلَى حَقِيقَتِهِ مَعَ كِنَايَتِهِ عَنْ مَعْنَى التَّعَجُّبِ.

وَيحْتَمل أنّه يَقُوله تَعَالَى لَهُمْ، فَالِاسْتِفْهَامُ مَجَازٌ عَنِ الْإِنْكَارِ وَالتَّغْلِيطِ. ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَمَعْنَى كُفْرِهِمْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ تَغْيِيرُهُمْ شَرِيعَةَ أَنْبِيَائِهِمْ وَكِتْمَانُهُمْ مَا كَتَمُوهُ فِيهَا، أَوْ كُفْرُهُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ بِمُوسَى وَعِيسَى، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ [آل عمرَان: ٩٠] وَهَذَا هُوَ الْمَحْمَلُ الْبَيِّنُ، وَسِيَاقُ الْكَلَامِ وَلَفْظُهُ يَقْتَضِيهِ، فَإِنَّهُ مَسُوقٌ لِوَعِيدِ أُولَئِكَ. وَوَقَعَتْ تَأْوِيلَاتٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَعُوا بِهَا فِيمَا حَذَّرَهُمْ مِنْهُ الْقُرْآنُ، فَتَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ: الَّذِينَ

قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»

مِثْلَ أَهْلِ الرِّدَّةِ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى ذَلِكَ، فَمَعْنَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ حِينَئِذٍ ظَاهِرٌ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَأَوَّلَ الْآيَةَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِيمَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ فِي ثَالِثَةِ الْمَسَائِلِ مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ كِتَابِ

الْمُرْتَدِّينَ وَالْمُحَارِبِينَ مِنَ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ: «مَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَشَدُّ عَلَى أَهْلِ الِاخْتِلَافِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ» يَوْمَ