للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَعْنَى: أَنَّ فِيهِ شَهَادَةً عَلَيْهِمْ بِأَنَّ أَعْمَالَهُمْ مُخَالِفَةٌ لِوَصَايَا الْكِتَابِ أَوْ بِأَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ فِي صَحَائِفِ أَعْمَالِهِمْ عَلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي الْمُرَادِ بِالْكِتَابِ. وَلِتَضَمُّنِ يَنْطِقُ مَعْنَى (يَشْهَدُ) عُدِّيَ بِحَرْفِ (عَلَى) .

وَلَمَّا كَانَ الْمَقَامُ لِلتَّهْدِيدِ اقْتُصِرَ فِيهِ عَلَى تَعْدِيَةِ يَنْطِقُ بِحَرْفِ (عَلَى) دُونَ زِيَادَةِ:

وَلَكُمْ، إِيثَارًا لِجَانِبِ التَّهْدِيدِ.

وَجُمْلَةُ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّهُمْ إِذَا سَمِعُوا هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ خَطَرَ بِبَالِهِمُ السُّؤَالُ: كَيْفَ شَهِدَ عَلَيْهِمُ الْكِتَابُ الْيَوْمَ وَهُمْ قَدْ عَمِلُوا الْأَعْمَالَ فِي الدُّنْيَا، فَأُجِيبُوا بِأَنَّ اللَّهَ كَانَ يَأْمُرُ بِنَسْخِ مَا يَعْمَلُونَهُ فِي الصُّحُفِ فِي وَقْتِ عَمَلِهِ.

وَإِنْ حُمِلَ الْكِتَابُ عَلَى كُتُبِ الشَّرِيعَةِ كَانَتْ جُمْلَةُ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ تَعْلِيلًا لِلْجُمْلَةِ قَبْلَهَا بِاعْتِبَارِ تَقْيِيدِ النُّطْق بِأَنَّهُ بِالْحَقِّ، أَيْ لِأَنَّ أَعْمَالَكُمْ كَانَتْ مُحْصَاةً مُبَيَّنٌ مَا هُوَ مِنْهَا مُخَالِفٌ لِمَا أَمَرَ بِهِ كِتَابُهُمْ.

وَالِاسْتِنْسَاخُ: اسْتِفْعَالٌ مِنَ النَّسْخِ.

وَالنَّسَخُ: يُطْلَقُ عَلَى كِتَابِةِ مَا يُكْتَبُ عَلَى مِثَالِ مَكْتُوبٍ آخَرَ قَبْلَهُ. وَيُسَمَّى بِالْمُعَارَضَةِ أَيْضًا. وَظَاهِرُ الْأَسَاسِ أَنَّ هَذَا حَقِيقَةُ مَعْنَى النَّسْخِ وَأَنَّ قَوْلَهُمْ: نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ مَجَازٌ. وَكَلَامُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ بِخِلَافِهِ كَمَا يَقُولُهُ عُلَمَاءُ أُصُولِ الْفِقْهِ فِي بَابِ النَّسْخِ. وَكَلَامُ الرَّاغِبِ يَحْتَمِلُ الْإِطْلَاقَيْنِ، فَإِذَا دَرَجْتَ عَلَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ فَقَدْ جَعَلْتَ كِتَابَةَ مَكْتُوبٍ عَلَى مِثَالِ مَكْتُوبٍ قَبْلَهُ كَإِزَالَةٍ لِلْمَكْتُوبِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ لِقَصْدِ التَّعْوِيضِ عَنِ الْمَكْتُوبِ الْأَوَّلِ لِمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ أَوْ لِخَشْيَةِ ضَيَاعِ الْأَصْلِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَقُولُ: أَلَسْتُمْ عَرَبًا وَهَلْ يَكُونُ النَّسْخُ إِلَّا مِنْ كِتَابٍ.

وَأَمَّا إِطْلَاقُ النَّسْخِ عَلَى كِتَابَةٍ أُنُفٍ لَيْسَتْ عَلَى مِثَالِ كِتَابَةٍ أُخْرَى سَبَقَتْهَا فَكَلَامُ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي الْأَسَاسِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ مِنْ مَعَانِي النَّسْخِ حَقِيقَةً، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي «الْكَشَّافِ» ، فَيَكُونُ لَفْظُ النَّسْخِ مُشْتَرِكًا فِي الْمَعْنَيَيْنِ بَلْ رُبَّمَا كَانَ مَعْنَى