خَبَرٌ عَنْهُ وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّ جُثُوَّ الْأُمَّةِ يُثِيرُ سُؤَالَ سَائِلٍ عَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ الْجُثُوِّ.
وَقَرَأَهُ يَعْقُوبُ بِنَصْبِ كُلَّ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ. وَجُمْلَةُ تُدْعى حَالٌ مِنْ كُلَّ أُمَّةٍ فَأُعِيدَتْ كَلِمَةُ كُلَّ أُمَّةٍ دُونَ اكْتِفَاءٍ بِقَوْلِهِ تُدْعى أَوْ يَدْعُونَ لِلتَّهْوِيلِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الْكِتَابِ بِالْأُمَمِ تَجْثُو ثُمَّ تُدْعَى كُلُّ أُمَّةٍ إِلَى كِتَابِهَا فَتَذْهَبُ إِلَيْهِ
لِلْحِسَابِ، أَيْ يَذْهَبُ أَفْرَادُهَا لِلْحِسَابِ وَلَوْ قِيلَ: وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا لَأُوهِمَ أَنَّ الْجُثُوَّ وَالدُّعَاءَ إِلَى الْكِتَابِ يَحْصُلَانِ مَعًا مَعَ مَا فِي إِعَادَةِ الْخَبَرِ مَرَّةً ثَانِيَةً مِنَ التَّهْوِيلِ.
وَجُمْلَةُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ تُدْعى إِلى كِتابِهَا بِتَقْدِيرِ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ يُقَالُ لَهُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ، أَيْ يَكُونُ جَزَاؤُكُمْ عَلَى وَفْقِ أَعْمَالِكُمْ وَجَرْيُهَا عَلَى وَفْقِ مَا يُوَافِقُ كِتَابَ دِينِكُمْ مِنْ أَفْعَالِكُمْ فِي الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَهَذَا الْبَدَلُ وَقَعَ اعْتِرَاضًا بَيْنَ جُمْلَةِ وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً وَجُمْلَةِ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [الجاثية: ٣٠] الْآيَاتِ.
وَجُمْلَةُ هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ مِنْ مَقُولِ الْقَوْلِ الْمُقَدَّرِ، وَهِيَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِتَوَقُّعِ سُؤَالِ مَنْ يَقُولُ مِنْهُمْ: مَا هُوَ طَرِيقُ ثُبُوتِ أَعْمَالِهَا. وَالْإِشَارَةُ إِمَّا إِلَى كِتَابِ شَرِيعَةِ الْأُمَّةِ الْمَدْعُوَّةِ، وَإِمَّا إِلَى كُتُبِ أَفْرَادِهَا عَلَى تَأْوِيلِ الْكِتَابِ بِالْجِنْسِ على الوجهتين الْمُتَقَدِّمين.
وَإِفْرَادُ ضَمِيرِ يَنْطِقُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ كِتابُنا، فَالْمَعْنَى هَذِهِ كُتُبُنَا تَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ.
وَإِضَافَةُ (كِتَابِ) إِلَى ضَمِيرِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ أُضِيفَ إِلَى كُلَّ أُمَّةٍ لِاخْتِلَافِ الْمُلَابَسَةِ، فَالْكِتَابُ يُلَابِسُ الْأُمَّةَ لِأَنَّهُ جُعِلَ لِإِحْصَاءِ أَعْمَالِهِمْ أَوْ لِأَنَّ مَا كُلِّفُوا بِهِ مُثْبَتٌ فِيهِ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى ضَمِيرِ اللَّهِ لِأَنَّهُ الْآمِرُ بِهِ. وَإِسْنَادُ النُّطْقِ إِلَى الْكَتَابِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ وَإِنَّمَا تَنْطِقُ بِمَا فِي الْكِتَابِ مَلَائِكَةُ الْحِسَابِ، أَوِ اسْتُعِيرَ النُّطْقُ لِلدَّلَالَةِ نَحْوَ قَوْلِهِمْ: نَطَقَتِ الْحَالُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute