للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَيْضًا تَسْلِيمُ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمْ حِينَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ مِثْلَ قَوْلِهِ:

سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: ٥٨] .

وَمَحَلُّ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا الِاسْتِئْنَافُ الْبَيَانِيُّ لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا يُثِيرُ تَرَقُّبَ الْمُخَاطَبِينَ لِلْإِذْنِ بِإِنْجَازِ مَا وُعِدُوا بِهِ.

وَجُمْلَةُ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِمَّا يُقَالُ لِلْمُتَّقِينَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ:

فَادْخُلُوها خالِدِينَ [الزمر: ٧٣] ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ. وَكَانَ اسْمُ الْإِشَارَةِ لِلْبَعِيدِ لِلتَّعْظِيمِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ إِلَى الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْله: يَوْم يَقُول لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ [ق: ٣٠] فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا يُلَاقِيهِ أَهْلُ جَهَنَّمَ وَأَهْلُ الْجَنَّةِ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ:

ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ تَرْهِيبًا وَتَرْغِيبًا، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي تَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةً اعْتِرَاضًا مُوَجَّهًا إِلَى الْمُتَّقِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ إِلَى السَّامِعِينَ فِي الدُّنْيَا. وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَإِضَافَةُ يَوْمُ إِلَى الْخُلُودِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَوَّلَ أَيَّامِ الْخُلُودِ هِيَ أَيَّامٌ ذَاتُ مَقَادِيرَ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ، أَوْ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِ يَوْمُ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الزَّمَانِ.

وَبَيْنَ كَلِمَةٍ ادْخُلُوها وَكَلِمَةِ الْخُلُودِ الْجِنَاسُ الْمَقْلُوبُ النَّاقِصُ، ثُمَّ إِنَّ جُمْلَةَ لَهُمْ مَا يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَقِيَّةِ مَا يُقَالُ لِلْمُتَّقِينَ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ فَيَكُونُ ضَمِيرُ الْغَيْبَةِ الْتِفَاتًا وَأَصْلُهُ: لكم مَا تشاؤون. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِمَّا خُوطِبَ بِهِ الْفَرِيقَانِ فِي الدُّنْيَا وَعَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ فَهِيَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا.

ولَدَيْنا مَزِيدٌ، أَيْ زِيَادَةٌ على مَا يشاؤون مِمَّا لَمْ يَخْطُرُ بِبَالِهِمْ، وَذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي

كَرَامَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ وَوَرَدَتْ آثَارٌ مُتَفَاوِتَةُ الْقُوَّةِ أَنَّ مِنَ الْمَزِيدِ مُفَاجَأَتَهُمْ بِخَيْرَاتٍ، وَفِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُفَاجَأَةَ بِالْإِنْعَامِ ضَرْبٌ مِنَ التَّلَطُّفِ وَالْإِكْرَامِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْإِنْعَامَ يَجِيئُهُمْ فِي صُوَرٍ مُعْجَبَةٍ. وَالْقَوْلُ فِي مَزِيدٌ هُنَا كَالْقَوْلِ فِي نَظِيرِهِ السَّابِقِ آنِفًا.

وَجَاءَ تَرْتِيبُ الْآيَاتِ فِي مُنْتَهَى الدِّقَّةِ فَبَدَأَتْ بِذِكْرِ إِكْرَامِهِمْ بِقَوْلِهِ: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ، ثُمَّ بِذِكْرِ أَنَّ الْجَنَّةَ جَزَاؤُهُمُ الَّذِي وُعِدُوا بِهِ فَهِيَ حَقٌّ لَهُمْ، ثُمَّ أَوْمَأَتْ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ أَعْمَالِهِمْ بِقَوْلِهِ: لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ إِلَخْ،