هَذَا مُسْتَعَارٌ مِنْ رَتَعَتِ الدَّابَّةُ إِذَا أَكَلَتْ فِي الْمَرْعَى حَتَّى شَبِعَتْ. فَمُفَادُ الْمَعْنَى عَلَى التَّأْوِيلَيْنِ وَاحِدٌ.
وَاللَّعِبُ: فِعْلٌ أَوْ كَلَامٌ لَا يُرَادُ مِنْهُ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُرَادَ بِمِثْلِهِ نَحْوَ الْجَرْيِ والقفز والسّبق والمراماة، نَحْوَ قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
فَظَلَّ الْعَذَارَى يَرْتَمِينَ بِشَحْمِهَا يَقْصِدُ مِنْهُ الِاسْتِجْمَامَ وَدَفْعَ السَّآمَةِ. وَهُوَ مُبَاحٌ فِي الشَّرَائِعِ كُلِّهَا إِذَا لَمْ يَصِرْ دَأَبًا. فَلَا وَجْهَ لِتَسَاؤُلِ صَاحب «الْكَشَّاف» على اسْتِجَازَةِ يَعْقُوبَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَهُمُ اللَّعِبَ.
وَالَّذِينَ قَرَأُوا نَرْتَعْ بِنُونِ الْمُشَارَكَةِ قَرَأُوا وَنَلْعَبْ بِالنُّونِ أَيْضًا.
وَجُمْلَةُ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِثْلَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ [سُورَة يُوسُف: ١٠] . وَالتَّأْكِيدُ فِيهِمَا لِلتَّحْقِيقِ تَنْزِيلًا لِأَبِيهِمْ مَنْزِلَةَ الشَّاكِّ فِي أَنَّهُمْ يَحْفَظُونَهُ وَيَنْصَحُونَهُ كَمَا نَزَّلُوهُ مَنْزِلَةَ مَنْ لَا يَأْمَنُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ كَانَ لَا يَأْذَنُ لَهُ بِالْخُرُوجِ مَعَهُمْ لِلرَّعْيِ وَنَحْوِهِ.
وَتَقْدِيمُ لَهُ فِي لَهُ لَناصِحُونَ ولَهُ لَحافِظُونَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ الرِّعَايَةِ
لِلْفَاصِلَةِ وَالِاهْتِمَامِ بِشَأْنِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْقَصْرِ الِادِّعَائِيِّ جَعَلُوا أَنْفُسَهُمْ لِفَرْطِ عِنَايَتِهِمْ بِهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يَحْفَظُ غَيْرَهُ وَلَا يَنْصَحُ غَيْرَهُ.
وَفِي هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي تَوَاطَأُوا عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِيهِمْ عِبْرَة من تواطئ أَهْلِ الْغَرَضِ الْوَاحِدِ عَلَى التَّحَيُّلِ لِنَصْبِ الْأَحَابِيلِ لِتَحْصِيلِ غَرَضٍ دَنِيءٍ، وَكَيْفَ ابْتَدَأُوا بِالِاسْتِفْهَامِ عَنْ عَدَمِ أَمْنِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى أَخِيهِمْ وَإِظْهَارُ أَنَّهُمْ نُصَحَاءُ لَهُ، وَحَقَّقُوا ذَلِكَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَبِحَرْفِ التَّوْكِيدِ، ثُمَّ أَظْهَرُوا أَنَّهُمْ مَا حَرَصُوا إِلَّا عَلَى فَائِدَةِ أَخِيهِمْ وَأَنَّهُمْ حَافِظُونَ لَهُ وَأَكَّدُوا ذَلِك أَيْضا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute