وَبِاتِّصَالِ (كُلَّ) بِحَرْفِ (مَا) الْمَصْدَرِيَّةِ الظَّرْفِيَّةِ اكْتَسَبَ التَّرْكِيبُ مَعْنَى الشَّرْطِ وَشَابَهَ أَدَوَاتَ الشَّرْطِ فِي الْاحْتِيَاجِ إِلَى جُمْلَتَيْنِ مُرَتَّبَةٌ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى.
وَجِيءَ بِفِعْلَيْ أُلْقِيَ وسَأَلَهُمْ مَاضِيَيْنِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَقَعُ الْفِعْلُ بَعْدُ كُلَّما أَنْ يَكُونَ بِصِيغَة الْمُضِيّ لِأَنَّهَا لَمَّا شَابَهَتِ الشَّرْطَ اسْتَوَى الْمَاضِي وَالْمُضَارِعُ مَعَهَا لِظُهُورِ أَنَّهُ لِلزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ فَأُوثِرَ فِعْلُ الْمُضِيِّ لِأَنَّهُ أَخَفُّ.
وَالْفَوْجُ: الْجَمَاعَةُ أَيْ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْخُلُودُ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً فِي سُورَةِ النَّمْلِ [٨٣] .
وَجِيءَ بِالضَّمَائِرِ الْعَائِدَةِ إِلَى الْفَوْجِ ضَمَائِرُ جَمْعٍ فِي قَوْلِهِ: سَأَلَهُمْ إِلَخْ. لِتَأْوِيلِ الْفَوْجِ بِجَمَاعَةِ أَفْرَادِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجرات: ٩] .
وَخَزَنَةُ النَّارِ: الْمَلَائِكَةُ الْمُوكَّلُ إِلَيْهِمْ أَمْرُ جَهَنَّمَ وَهُوَ جَمْعُ خَازِنٍ لِلْمُوَكَّلِ بِالْحِفْظِ وَأَصْلُ الْخَازِنِ: الَّذِي يُخَزِّنُ شَيْئًا، أَيْ يَحْفَظُهُ فِي مَكَانٍ حَصِينٍ، فَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْمُوَكَّلِينَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ.
وَجُمْلَةُ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ سَأَلَهُمْ كَقَوْلِهِ: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ [طه: ١٢٠] .
وَالْاسْتِفْهَامُ فِي أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّنْدِيمِ لِيَزِيدَهُمْ حَسْرَةً.
وَالنَّذِيرُ: الْمُنْذِرُ، أَيْ رَسُولٌ مُنْذِرٌ بِعِقَابِ اللَّهِ وَهُوَ مَصُوغٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَمَا صِيغَ بِمَعْنَى الْمُسْمِعُ السَّمِيعُ فِي قَوْلِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يكرب:
أَمن رياحنة الدَّاعِي السَّمِيعُ وَالْمُرَادُ أَفْوَاجُ أَهْلِ النَّارِ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ الَّتِي أُرْسِلَتْ إِلَيْهِمُ الرُّسُلُ فَتَكُونُ جُمْلَةُ:
كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ إِلَخْ بِمَعْنَى التَّذْيِيلِ.
وَجُمْلَةُ: قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ كَلَامِ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ اعْتِرَاضًا يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْفَوْجَ قَاطَعَ كَلَامَ الْخَزَنَةِ بِتَعْجِيلِ الْاعْتِرَافِ بِمَا وَبَّخُوهُمْ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ.
وَفُصِلَتِ الْجُمْلَةُ لِوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا اعْتِرَاضٌ، وَلِوُقُوعِهَا فِي سِيَاقِ الْمُحَاوَرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣٠] . وَكَانَ