للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالرَّفَثُ اللَّغْوُ مِنَ الْكَلَامِ وَالْفُحْشُ مِنْهُ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ الْعَجَّاجِ:

وَرُبَّ أَسْرَابِ حَجِيجٍ كُظَّمٍ ... عَنِ اللَّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ

وَفِعْلُهُ كَنَصَرَ وَفَرِحَ وَكَرُمَ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْكِنَايَةُ عَنْ قُرْبَانِ النِّسَاءِ. وَأَحْسِبُ أَنَّ الْكِنَايَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ دُونَ غَيْرِهِ لِقَصْدِ جَمْعِ الْمَعْنَيَيْنِ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَوَقُّونَ ذَلِكَ، قَالَ النَّابِغَةُ:

حَيَّاكَ رَبِّي فَإِنَّا لَا يَحِلُّ لَنَا ... لَهْوُ النِّسَاءِ وَإِنَّ الدِّينَ قَدْ عَزَمَا

يُرِيدُ مِنَ الدَّيْنِ الْحَجَّ وَقَدْ فَسَّرُوا قَوْلَهُ: لَهْوُ النِّسَاءِ بِالْغَزَلِ.

وَهَذَا خَبَرٌ مُرَادٌ بِهِ مُبَالَغَةُ النَّهْيِ اقْتَضَى أَنَّ الْجِمَاعَ فِي الْحَجِّ حَرَامٌ، وَأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ وَقَدْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ ذَلِكَ بِصَرَاحَةٍ، فَالدُّخُولُ فِي الْإِحْرَامِ يَمْنَعُ مِنَ الْجِمَاعِ إِلَى الْإِحْلَالِ بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَذَلِكَ جَمِيعُ وَقْتِ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ حَصَلَ نِسْيَانٌ فَقَالَ مَالِكٌ هُوَ مُفْسِدٌ وَيُعِيدُ حَجَّهُ إِذَا لَمْ يَمْضِ وُقُوفُ عَرَفَةَ، وَإِلَّا قَضَاهُ فِي الْقَابِلِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ حُصُولَ الِالْتِذَاذِ قَدْ نَافَى تَجَرُّدَ الْحَجِّ وَالزُّهْدَ الْمَطْلُوبَ فِيهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَعَمُّدٍ أَوْ نِسْيَانٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ: لَا يَفْسُدُ الْحَجُّ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَأَمَّا مُغَازَلَةُ النِّسَاءِ وَالْحَدِيثُ فِي شَأْنِ الْجِمَاعِ فَذَرِيعَةٌ يَنْبَغِي سَدُّهَا، لِأَنَّهُ يَصْرِفُ الْقَلْبَ عَنِ الِانْقِطَاعِ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ فِي الْحَجِّ.

وَلَيْسَ مِنَ الرَّفَثِ إِنْشَادُ الشِّعْرِ الْقَدِيمِ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْغَزَلِ إِذْ لَيْسَ الْقَصْدُ مِنْهُ إِنْشَاءَ الرَّفَثِ، وَقَدْ حَدَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَاحِلَتَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِبَيْتٍ فِيهِ ذِكْرُ لَفْظٍ مِنَ الرَّفَثِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ حُصَيْنُ بْنُ قَيْسٍ: أَتَرْفَثُ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ؟ فَقَالَ: إِنَّ الرَّفَثَ مَا كَانَ عِنْدَ النِّسَاءِ أَيِ الْفِعْلُ الَّذِي عِنْدَ النِّسَاءِ أَيِ الْجِمَاعُ.

وَالْفُسُوقُ مَعْرُوفٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَقَدْ قِيلَ أَرَادَ بِهِ هُنَا النَّهْيَ عَنِ الذَّبْحِ لِلْأَصْنَامِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ، وَكَأَنَّهُ قَالَهُ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِإِبْطَالِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ غَيْرَ أَنَّ الظَّاهِرَ شُمُولُ الْفُسُوقِ لِسَائِرِ الْفِسْقِ وَقَدْ سَكَتَ جَمِيعُ الْمُفَسِّرِينَ عَنْ حُكْمِ الْإِتْيَانِ بِالْفُسُوقِ فِي مُدَّةِ الْإِحْرَامِ. وَقَرْنُ الْفُسُوقِ بِالرَّفَثِ الَّذِي هُوَ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ يَقْتَضِي أَنَّ إِتْيَانَ الْفُسُوقِ فِي مُدَّةِ الْإِحْرَامِ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ كَذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْفُسُوقَ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ، وَلَا أَنَّهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ سِوَى ابْنِ حَزْمٍ فَقَالَ فِي «الْمُحَلَّى» : إِنَّ مَذْهَبَ الظَّاهِرِيَّةِ أَنَّ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا مُفْسِدَةٌ لِلْحَجِّ، وَالَّذِي