للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صَنْعَاءَ.

وَقِيلَ: ضَرَوَانُ اسْمُ هَذِهِ الْجَنَّةِ، وَكَانَتْ جَنَّةً عَظِيمَةً غَرَسَهَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْإِيمَانِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَلَمْ يُبَيِّنْ مِنْ أَيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ هُوَ: أَمِنَ الْيَهُودِ أَمْ مِنَ النَّصَارَى؟ فَقِيلَ: كَانَ يَهُودِيًّا، أَيْ لِأَنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ كَانُوا تَدَيَّنُوا باليهودية من عَهْدِ بِلْقِيسَ كَمَا قِيلَ أَوْ بَعْدَهَا بِهِجْرَةِ بَعْضِ جُنُودِ سُلَيْمَانَ، وَكَانَتْ زَكَاةُ الثِّمَارِ مِنْ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ كَمَا فِي الْإِصْحَاحِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ سِفْرِ اللَّاوِيِّينَ.

وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: كَانَ أَصْحَابُ هَذِهِ الْجَنَّةِ بَعْدَ عِيسَى بِقَلِيلٍ، أَيْ قَبْلَ انْتِشَارِ النَّصْرَانِيَّةِ فِي الْيَمَنِ لِأَنَّهَا مَا دَخَلَتِ الْيَمَنَ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْأَحْبَاشِ إِلَى الْيَمَنِ فِي قِصَّةِ الْقُلَّيْسِ وَكَانَ ذَلِكَ زَمَانَ عَامِ الْفِيلِ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ: كَانُوا مِنَ الْحَبَشَةِ كَانَتْ لِأَبِيهِمْ جَنَّةٌ وَجَعَلَ فِي ثَمَرِهَا حَقًّا لِلْمَسَاكِينِ وَكَانَ يُدْخِلُ مَعَهُ الْمَسَاكِينَ لِيَأْخُذُوا مِنْ ثَمَارِهَا فَكَانَ يَعِيشُ مِنْهَا الْيَتَامَى وَالْأَرَامِلُ وَالْمَسَاكِينُ وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ صَاحِبُ الْجَنَّةِ وَصَارَتْ لِأَوْلَادِهِ أَصْبَحُوا ذَوِي ثَرْوَةٍ وَكَانُوا أَشِحَّةً أَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ شَحِيحًا وَبَعْضهمْ دونه فتمالؤوا عَلَى حِرْمَانِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْأَرَامِلِ وَقَالُوا: لَنَغْدُوَنَّ إِلَى الْجَنَّةِ فِي سُدْفَةٍ مِنَ اللَّيْلِ قَبْلَ انْبِلَاجِ الصَّبَاحِ مِثْلُ وَقْتِ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى جَنَّاتِهِمْ لِلْجِذَاذِ فَلَنَجُذُّنَّهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَسَاكِينُ. فَبَيَّتُوا ذَلِكَ وَأَقْسَمُوا أَيْمَانًا عَلَى ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُمْ أَقْسَمُوا لِيُلْزِمُوا أَنْفُسَهُمْ بِتَنْفِيذِ مَا تَدَاعَوْا إِلَيْهِ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ مُتَرَدِّدًا فِي مُوَافَقَتِهِمْ عَلَى مَا عَزَمُوا عَلَيْهِ وَأَنَّهُمْ أَلْجَمُوهُ بِالْقَسَمِ وَهَذَا الَّذِي يَلْتَئِمُ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ [الْقَلَم: ٢٨] ، قِيلَ كَانَ يَقُولُ لَهُمُ: اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا عَنْ خُبْثِ نِيَّتِكُمْ مِنْ مَنْعِ الْمَسَاكِينِ، وَذَكَّرَهُمُ انْتِقَامَ اللَّهِ مِنَ الْمُجْرِمِينَ، أَيْ فغلبوه ومضوا لما عَزَمُوا عَلَيْهِ، وَلَعَلَّهُمْ أَقْسَمُوا عَلَى أَنْ يَفْعَلُوا وَأَقْسَمُوا عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ مَعَهُمْ ذَلِكَ فَأَقْسَمَ مَعَهُمْ أَوْ وَافَقَهُمْ عَلَى مَا أَقْسَمُوا عَلَيْهِ، وَلِهَذَا الْاعْتِبَارِ أُسْنِدَ الْقَسَمُ إِلَى جَمِيعِ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ.

فَلَمَّا جَاءُوا جَنَّتَهُمْ وَجَدُوهَا مُسْوَّدَةً قَدْ أَصَابَهَا مَا يُشَبِّهُ الْاحْتِرَاقَ فَلَمَّا رَأَوْهَا بِتِلْكَ الْحَالَةِ عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ أَصَابَهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ لِعَزْمِهِمْ عَلَى قَطْعِ مَا كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ الضُّعَفَاءُ مِنْ قَوْمِهِمْ وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ رَجَاءَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ خَيْرًا مِنْهَا.

قِيلَ: كَانَتْ هَذِهِ الْجَنَّةُ مِنْ أَعْنَابٍ.

وَالصَّرْمُ: قَطْعُ الثَّمَرَةِ وَجِذَاذُهَا.