وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جَوَابَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا عَنْ لَوْمِهِ غَيْرِهِ، فَكَمَا أَجْمَعُوا عَلَى لَوْمِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا كَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى إِجَابَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا عَنْ ذَلِكَ الْمَلَامِ فَقَالَ كُلُّ مَلُومٍ لِلَائِمِهِ يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ إِلَخْ جَوَابًا بِتَقْرِيرِ مَلَامِهِ وَالْاعْتِرَافِ بِالذَّنْبِ وَرَجَاءِ الْعَفْوِ مِنَ اللَّهِ وَتَعْوِيضِهِمْ عَنْ جَنَّتِهِمْ خيرا مِنْهَا إِذا قَبِلَ تَوْبَتَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ ثَوَابَ الدُّنْيَا مَعَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ، فَيَكُونُ تَرْكُ الْعَطْفِ لِأَنَّ فِعْلَ الْقَوْلِ جَرَى فِي طَرِيقَةِ المحاورة.
والإقبال: حَقِيقَته الْمَجِيءِ إِلَى الْغَيْرِ مِنْ جِهَةِ وَجْهِهِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقُبُلِ وَهُوَ مَا يَبْدُو مِنَ الْإِنْسَانِ مِنْ جِهَةِ وَجْهِهِ ضِدَّ الْإِدْبَارِ، وَهُوَ هُنَا تَمْثِيلٌ لِحَالِ الْعِنَايَةِ بِاللَّوْمِ.
وَاللَّوْمُ: إِنْكَارٌ مُتَوَسِّطٌ عَلَى فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ وَهُوَ دُونَ التَّوْبِيخِ وَفَوْقَ الْعِتَابِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ [٦] .
وَالطُّغْيَانُ: تَجَاوُزُ الْحَدِّ الْمُتَعَارَفِ فِي الْكِبَرِ وَالتَّعَاظُمِ وَالْمَعْنَى: إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ.
ثُمَّ اسْتَأْنَفُوا عَنْ نَدَامَتِهِمْ وَتَوْبَتِهِمْ رَجَاءَهُمْ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ فَلَا يُؤَاخِذُهُمْ بِذَنْبِهِمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا فِي الدُّنْيَا فَيَمْحُو عِقَابَهُ فِي الدُّنْيَا مَحْوًا كَامِلًا بِأَنْ يُعَوِّضَهُمْ عَنْ جَنَّتِهِمُ الَّتِي قُدِّرَ إِتْلَافُهَا بِجَنَّةٍ أُخْرَى خَيْرًا مِنْهَا.
وَجُمْلَةُ إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ بَدَلٌ مِنْ جُمْلَةِ الرَّجَاءِ، أَيْ هُوَ رَجَاءٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى رَغْبَةٍ إِلَيْهِ بِالْقَبُولِ وَالْاسْتِجَابَةِ.
وَالتَّأْكِيدُ فِي إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ لِلْاهْتِمَامِ بِهَذَا التَّوَجُّهِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْإِطْنَابِ فِي قَوْلِهِمْ بَعْدَ حُلُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ تَلْقِينُ الَّذِينَ ضُرِبَ لَهُمْ هَذَا الْمَثَلُ بِأَنَّ فِي مُكْنَتِهِمُ الْإِنَابَةَ إِلَى اللَّهِ بِنَبْذِ الْكُفْرَانِ لِنِعْمَتِهِ إِذْ أَشْرَكُوا بِهِ مَنْ لَا إِنْعَامَ لَهُمْ عَلَيْهِ.
رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ أَخْلَصُوا وَعَرَفَ اللَّهُ مِنْهُمُ الصِّدْقَ فَأَبْدَّلَهُمْ جَنَّةً يُقَالُ لَهَا: الْحَيَوَانُ، ذَاتَ عِنَبٍ يُحْمَلُ الْعُنْقُودُ الْوَاحِدُ مِنْهُ عَلَى بَغْلٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute