للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَكْشِفُ الشِّدَّةُ عَنْ سَاقِهَا أَوْ تَكْشِفُ الْقِيَامَةُ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا قَوْلُهُمْ: قَامَتِ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ.

وَالْمَعْنَى: يَوْمَ تَبْلُغُ أَحْوَالُ النَّاسِ مُنْتَهَى الشِّدَّةِ وَالرَّوْعِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ: عَنْ كَرْبٍ وَشِدَّةٍ، وَهِيَ أَشَدُّ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَرَوَى عَبَدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذَا، فَقَالَ: «إِذَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَابْتَغُوهُ فِي الشِّعْرِ فَإِنَّهُ دِيوَانُ الْعَرَبِ» ، أَمَّا سَمِعْتُمْ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

صَبْرًا عَنَاقُ إِنَّه لشرباق ... فقد سَنَّ لِي قَوْمُكِ ضَرْبَ الْأَعْنَاقْ (١)

وَقَامَتِ الْحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقٍ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ: شِدَّةُ الْأَمْرِ.

وَجُمْلَةُ وَيُدْعَوْنَ لَيْسَ عَائِدًا إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِثْلُ ضَمِيرِ إِنَّا بَلَوْناهُمْ [الْقَلَم: ١٧] إِذْ لَا يُسَاعِدُ قَوْلَهُ: وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَكُونُوا فِي الدُّنْيَا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ. فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ، أَيْ وَيُدْعَى مَدْعُوُّونَ فَيَكُونُ تَعْرِيضًا بِالْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَيُمْتَحَنُ النَّاسُ بِدُعَائِهِمْ إِلَى السُّجُودِ لِيَتَمَيَّزَ الْمُؤْمِنُونَ الْخُلَّصُ عَنْ غَيْرِهِمْ تَمَيُّزَ تَشْرِيفٍ فَلَا يَسْتَطِيعُ الْمُنَافِقُونَ السُّجُودَ فَيُفْتَضَحُ كُفْرُهُمْ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّكَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: فَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مُخْلِصًا يَخِرُّ سَاجِدًا لَهُ وَيَبْقَى الْمُنَافِقُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ كَأَنَّ فِي ظُهُورِهِمُ السَّفَافِيدَ اهـ. فَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ إِدْمَاجًا لِذِكْرِ بَعْضِ مَا يَحْصُلُ مِنْ أَحْوَالِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

وَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» مِنْ حَدِيثِ الرُّؤْيَةِ وَحَدِيثِ الشَّفَاعَةِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ رِيَاءً إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ»

الْحَدِيثَ، فَيَصْلُحُ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِهَذِهِ الْآيَةِ.


(١) شربق مقلوب شبرق أَي مزق وَيُقَال: ثوب شرباق كقرطاس.