كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ وَمَا اتَّصَلَ بِهِ اسْتِئْنَافٌ، وَهُوَ تذكير بِمَا حَلَّ بِثَمُودَ وَعَادٍ لِتَكْذِيبِهِمْ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ تَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِتَهْدِيدِهِمْ أَن يحِق عَلَيْهِم مِثْلُ مَا حَلَّ بِثَمُودَ وَعَادٍ فَإِنَّهُمْ سَوَاءٌ فِي التَّكْذِيبِ بِالْبَعْثِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْله الْحَاقَّةُ [الْحَاقَّةُ: ١] إِلَخْ تَوْطِئَةً لَهُ وَتَمْهِيدًا لِهَذِهِ الْمَوْعِظَةِ الْعَظِيمَةِ اسْتِرْهَابًا لِنُفُوسِ السَّامِعِينَ.
وَإِنْ جَعَلْتَ الْكَلَامَ مُتَّصِلًا بِجُمْلَةِ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ وَعَيَّنْتَ لَفْظَ الْحَاقَّةُ [الْحَاقَّةُ: ١] لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَانَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ خَبَرًا ثَالِثًا عَنِ الْحَاقَّةُ [الْحَاقَّةُ: ١] .
وَالْمَعْنَى: الْحَاقَّةُ كَذَّبَتْ بِهَا ثَمُودُ وَعَادٌ، فَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُؤْتَى بِضَمِيرِ الْحَاقَّةُ [الْحَاقَّةُ: ١] فَيُقَالُ: كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِهَا، فَعَدَلَ إِلَى إِظْهَارِ اسْمِ (الْقَارِعَةِ) لِأَنَّ (الْقَارِعَةِ) مُرَادِفَةُ الْحَاقَّةُ فِي أَحَدِ مَحْمَلَيْ لَفْظِ الْحَاقَّةُ [الْحَاقَّةُ: ١] ، وَهَذَا كَالْبَيَانِ لِلتَّهْوِيلِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ [الْحَاقَّةُ: ٣] .
وَ (الْقَارِعَةِ) مُرَادٌ مِنْهَا مَا أُرِيدَ ب الْحَاقَّةُ [الْحَاقَّةُ: ١] .
وَابْتُدِئَ بِثَمُودَ وَعَادٍ فِي الذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ لِأَنَّهُمَا أَكْثَرُ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ شُهْرَةً عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لِأَنَّهُمَا مِنَ الْأُمَمِ الْعَرَبِيَّةِ وَلِأَنَّ دِيَارَهُمَا مُجَاوِرَةٌ شَمَالًا وَجَنُوبًا.
وَالْقَارِعَةُ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ قَرَعَهُ، إِذَا ضَرَبَهُ ضَرْبًا قَوِيًّا، يُقَالُ: قَرَعَ الْبَعِيرَ. وَقَالُوا:
الْعَبْدُ يُقْرَعُ بِالْعَصَا، وَسُمِّيَتِ الْمَوَاعِظُ الَّتِي تَنْكَسِرُ لَهَا النَّفْسُ قَوَارِعَ لِمَا فِيهَا مِنْ زَجْرِ النَّاسِ عَنْ أَعْمَالٍ. وَفِي الْمَقَامَةِ الْأُولَى «وَيَقْرَعُ الْأَسْمَاعَ بِزَوَاجِرِ وَعْظِهِ» ، وَيُقَالُ لِلتَّوْبِيخِ تَقْرِيعٌ، وَفِي الْمَثَلِ «لَا تُقْرَعُ لَهُ الْعَصَا وَلَا يقلقل لَهُ الحصاء» ، وَمَوْرِدُهُ فِي عَامِرِ بْنِ الظَّرِبِ الْعَدَوَانِيِّ فِي قِصَّةٍ أَشَارَ إِلَيْهَا الْمُتَلَمِّسُ فِي بَيْتٍ.
فِ (الْقَارِعَةُ) هُنَا صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ يُقَدَّرُ لَفْظُهُ مُؤَنَّثًا لِيُوَافِقَ وَصْفَهُ الْمَذْكُورَ نَحْوُ السَّاعَةِ أَوِ الْقِيَامَةِ. الْقَارِعَةُ: أَيِ الَّتِي تُصِيبُ النَّاسَ بِالْأَهْوَالِ وَالْأَفْزَاعِ، أَوِ الَّتِي تُصِيبُ الْمَوْجُودَاتِ بِالْقَرْعِ مِثْلُ دَكِّ الْجِبَالِ، وَخَسْفِ الْأَرْضِ، وَطَمْسِ النُّجُومِ، وَكُسُوفِ الشَّمْسِ كُسُوفًا لَا انْجِلَاءَ لَهُ، فَشُبِّهَ ذَلِكَ بِالْقَرْعِ.
وَوصف السَّاعَةِ [الْأَعْرَاف: ١٨٧] أَو الْقِيامَةِ [الْبَقَرَة: ٨٥] بِذَلِكَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ مِنْ إِسْنَادِ الْوَصْفِ إِلَى غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ بِتَأَوُّلٍ لِمُلَابَسَتِهِ مَا هُوَ لَهُ إِذْ هِيَ زَمَانُ الْقَرْعِ قَالَ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute