للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَشَمِلَ قَوْلُهُ: وَمَنْ قَبْلَهُ أُمَمًا كَثِيرَةً مِنْهَا قَوْمُ نُوحٍ وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَمَنْ قَبْلَهُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْبَاءِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، أَيْ وَمَنْ كَانَ مِنْ جِهَتِهِ، أَيْ قَوْمُهُ وَأَتْبَاعُهُ.

والْمُؤْتَفِكاتُ: قُرَى لُوطٍ الثَّلَاثُ، وَأُرِيدَ بِالْمُؤْتَفِكَاتِ سُكَّانُهَا وَهُمْ قَوْمُ لُوطٍ وَخُصُّوا بِالذِّكْرِ لِشُهْرَةِ جَرِيمَتِهِمْ وَلِكَوْنِهِمْ كَانُوا مَشْهُورِينَ عِنْدَ الْعَرَبِ إِذْ كَانَتْ قُرَاهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ إِلَى الشَّامِ، قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ

[الصافات: ١٣٧، ١٣٨] وَقَالَ: وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها [الْفرْقَان: ٤٠] .

وَوُصِفَتْ قُرَى قَوْمِ لُوطٍ بِ الْمُؤْتَفِكاتُ جَمْعُ مُؤْتَفِكَةٌ اسْمُ فَاعِلٍ ائْتَفَكَ مُطَاوِعٌ أَفَكَهُ، إِذَا قَلَبَهُ، فَهِيَ الْمُنْقَلِبَاتُ، أَيْ قَلَبَهَا قَالَبٌ، أَيْ خَسَفَ بِهَا قَالَ تَعَالَى: جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها [هود: ٨٢] .

وَالْخَاطِئَةِ: إِمَّا مَصْدَرٌ بِوَزْنِ فَاعِلَةٍ وَهَاؤُهُ هَاءُ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فَلَمَّا اسْتُعْمِلَ مَصْدَرًا قَطَعَ النَّظَرَ عَنِ الْمَرَّةِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْله: الْحَاقَّةُ [الْحَاقَّةُ: ١] فَهُوَ مصدر خطىء، إِذَا أَذْنَبَ.

وَالذَّنْبُ: الْخِطْءُ بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَأَمَّا اسْم فَاعل خطىء وَتَأْنِيثُهُ بِتَأْوِيلِ: الْفَعِلَةِ ذَاتِ الْخِطْءِ فَهَاؤُهُ هَاءُ تَأْنِيثٍ.

وَالتَّعْرِيفُ فِيهِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ، فَالْمَعْنَى: جَاءَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِالذَّنْبِ الْمُسْتَحَقِّ لِلْعِقَابِ. وَفُرِّعَ عَنْهُ تَفْصِيلُ ذَنْبِهِمُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْخَاطِئَةِ فَقَالَ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ وَهَذَا التَّفْرِيعُ لِلتَّفْصِيلِ نَظِيرُ التَّفْرِيعِ فِي قَوْلِهِ: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ [الْقَمَر: ٩] فِي أَنَّهُ تَفْرِيعُ بَيَانٍ عَلَى الْمُبَيَّنِ.

وَضَمِيرُ (عَصَوْا) يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى فِرْعَوْنُ بِاعْتِبَارِهِ رَأْسَ قَوْمِهِ، فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَيْهِ وَإِلَى قَوْمِهِ، وَالْقَرِينَةُ ظَاهِرَةٌ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو وَالْكِسَائِيِّ فَالْأَمْرُ أَظْهَرُ وَعَلَى هَذَا الْاعْتِبَارِ فِي مَحَلِّ ضَمِيرِ (عَصَوْا) يَكُونُ الْمُرَادُ بِ رَسُولَ رَبِّهِمْ

مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَتَعْرِيفُهُ بِالْإِضَافَةِ لِمَا فِي لَفْظِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى تَخْطِئَتِهِمْ فِي عِبَادَةِ فِرْعَوْنَ وَجَعْلِهِمْ إِيَّاهُ إِلَهًا لَهُمْ.