دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَقَوَّلْهُ عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ لَوْ تَقْتَضِي انْتِفَاءَ مَضْمُونِ شَرْطِهَا لِانْتِفَاءِ مَضْمُونِ جَوَابِهَا.
فَحَصَلَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ غَرَضَانِ مُهِمَّانِ:
أَحَدُهُمَا: يَعُودُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ أَيْ زِيَادَةِ إِبْطَالٍ لِمَزَاعِمِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّ الْقُرْآنَ شِعْرٌ أَوْ كَهَانَةٌ إِبْطَالًا جَامِعًا لِإِبْطَالِ النَّوْعَيْنِ، أَيْ وَيُوَضِّحُ مُخَالَفَةَ الْقُرْآنِ لِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الْكَلَامِ أَنَّ الْآتِيَ بِهِ يَنْسُبُهُ إِلَى وَحْيِ اللَّهِ وَمَا عَلِمْتُمْ شَاعِرًا وَلَا كَاهِنًا يَزْعُمُ أَنَّ كَلَامَهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
وَثَانِيهُمَا: إِبْطَالُ زَعْمٍ لَهُمْ لَمْ يَسْبِقِ التَّصْرِيحُ بِإِبْطَالِهِ وَهُوَ قَوْلُ فَرِيقٍ مِنْهُم افْتَراهُ [يُونُس: ٣٨] ، أَيْ نَسَبَهُ إِلَى اللَّهِ افْتِرَاءً وَتَقَوَّلَهُ عَلَى اللَّهِ قَالَ تَعَالَى أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ [الطّور: ٣٣] فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ لَوِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ لَمَا أَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ.
ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْغَرَضَ يَسْتَتْبِعُ غَرَضًا آخَرَ وَهُوَ تَأْيِيسُهُمْ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِقُرْآنٍ لَا يُخَالِفُ دِينَهُمْ وَلَا يُسَفِّهُ أَحْلَامَهُمْ وَأَصْنَامَهُمْ، قَالَ تَعَالَى: قالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ [يُونُس: ١٥] . وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَطْفَ اعْتِرَاضٍ فَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْوَاوَ اعْتِرَاضِيَّةً فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْوَاوِ الْاعْتِرَاضِيَّةِ إِلَّا ذَلِكَ.
وَالتَّقَوُّلُ: نِسْبَةُ قَوْلٍ لِمَنْ لَمْ يَقُلْهُ، وَهُوَ تَفَعُّلٌ مِنَ الْقَوْلِ صِيغَتْ هَذِهِ الصِّيغَةَ الدَّالَّةَ عَلَى التَّكَلُّفِ لِأَنَّ الَّذِي يُنْسَبُ إِلَى غَيْرِهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ يَتَكَلَّفُ وَيَخْتَلِقُ ذَلِكَ الْكَلَامَ، وَلِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى كَذِبٍ عُدِّيَ بِ (عَلَى) .
وَالْمَعْنَى: لَوْ كَذَبَ عَلَيْنَا فَأَخْبَرَ أَنَّا قُلْنَا قَوْلًا لَمْ نَقُلْهُ إِلَخْ.
وبَعْضَ اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى مِقْدَارٍ مِنْ نَوْعِ مَا يُضَافُ هُوَ إِلَيْهِ، وَهُوَ هُنَا مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ لِ تَقَوَّلَ.
والْأَقاوِيلِ: جَمْعُ أَقْوَالٍ الَّذِي هُوَ جَمْعُ قَوْلٍ، أَيْ بَعْضًا مِنْ جِنْسِ الْأَقْوَالِ الَّتِي
هِيَ كَثِيرَةٌ فَلِكَثْرَتِهَا جِيءَ لَهَا بِجَمْعِ الْجَمْعِ الدَّالِّ عَلَى الْكَثْرَةِ، أَيْ وَلَوْ نَسَبَ إِلَيْنَا قَلِيلًا مِنْ أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ صَادِقَةٍ يَعْنِي لَوْ نَسَبَ إِلَيْنَا شَيْئًا قَلِيلًا مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ نُنْزِلْهُ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، إِلَى آخِرِهِ.
وَمَعْنَى لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ لَأَخَذْنَاهُ بِقُوَّةٍ، أَيْ دُونَ إِمْهَالٍ فَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ.