وَالسُّؤَالُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَيَيِ الْاسْتِفْهَامِ عَنْ شَيْءٍ وَالدُّعَاءِ، عَلَى أَنَّ اسْتِفْهَامَهُمْ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهَكُّمِ وَالتَّعْجِيزِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَ سائِلٌ بِمَعْنَى اسْتَعْجَلَ وَأَلَحَّ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ سَأَلَ بِإِظْهَارِ الْهَمْزَةِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ سَأَلَ بِتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ أَلِفًا. قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : وَهِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ يُخَفِّفُونَ الْمَهْمُوزَ فِي مَقَامِ الثِّقَلِ وَلَيْسَ ذَلِكَ قِيَاسًا فِي لُغَتِهِمْ بَلْ لُغَتُهُمْ تَحْقِيقُ الْهَمْزِ وَلِذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَيْسَ ذَا بِقِيَاسٍ مُتْلَئِبٍّ (أَيْ مُطَّرِدٍ مُسْتَقِيمٍ) وَإِنَّمَا يُحْفَظُ عَنِ الْعَرَبِ قَالَ: وَيَكُونُ قِيَاسًا مُتْلَئِبًّا، إِذَا اضْطُرَّ الشَّاعِرُ، قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
رَاحَتْ بِمَسْلَمَةَ الْبِغَالُ عَشِيَّة ... فارعي فزازة لَا هَنَاكِ الْمَرْتَعُ
يُرِيدُ لَا هَنَأَكِ بِالْهَمْزِ. وَقَالَ حَسَّانُ:
سَالَتْ هُذَيْلٌ رَسُولَ اللَّهِ فَاحِشَةً ... ضَلَّتْ هُذَيْلٌ بِمَا سَالَتْ وَلَمْ تُصِبِ
يُرِيدُ سَأَلُوا رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبَاحَة الزِّنَا. وَقَالَ الْقُرَشِيُّ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو بْنُ نُفَيْلٍ (يَذْكُرُ زَوْجَيْهِ) :
سَأَلَتَانِي الطَّلَاقَ أَنْ رَأَتَانِي ... قَلَّ مَالِي قَدْ جِيتُمَانِي بِنُكْرِ
فَهَؤُلَاءِ لَيْسَ لُغَتُهُمْ سَالَ وَلَا يَسَالُ وَبَلَغَنَا أَنَّ سَلْتَ تَسَالُ لُغَةٌ اهـ. فَجُعِلَ إِبْدَالُ الْهَمْزِ أَلِفًا لِلضَّرُورَةِ مُطَّرِدًا وَلِغَيْرِ الضَّرُورَةِ يُسْمَعُ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ فَتَكُونُ قِرَاءَةُ التَّخْفِيفِ سَمَاعًا. وَذَكَرَ الطِّيبِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ فِي الْحُجَّةِ: أَنَّ مَنْ قَرَأَ سَأَلَ غَيْرَ مَهْمُوزٍ جَعَلَ الْأَلِفَ مُنْقَلِبَةً عَنِ الْوَاوِ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْكَلِمَةِ مِثْلُ: قَالَ وَخَافَ. وَحَكَى أَبُو عُثْمَانَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ مَنْ يَقُولُ: هُمَا مُتَسَاوِلَانِ. وَقَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : يَقُولُونَ (أَيْ أَهْلُ الْحِجَازِ) :
سَلْتَ تَسَالُ وَهُمَا يَتَسَايَلَانِ، أَيْ فَهُوَ أَجْوَفُ يَائِيٌّ مِثْلُ هَابَ يَهَابُ. وَكُلُّ هَذِهِ تَلْتَقِي فِي أَنَّ نُطْقَ أَهْلِ الْحِجَازِ سَأَلَ غَيْرَ مَهْمُوزٍ سَمَاعِيٍّ، وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ عِنْدَهُمْ وَأَنَّهُ إِمَّا تَخْفِيفٌ لِلْهَمْزَةِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ مُطَّرِدٍ وَهُوَ رَأْيُ سِيبَوَيْهِ، وَإِمَّا لُغَةٌ لَهُمْ فِي هَذَا الْفِعْلِ وَأَفْعَالٍ أُخْرَى جَاءَ هَذَا الْفِعْلُ أَجْوَفَ وَاوِيًّا كَمَا هُوَ رَأْيُ أَبِي عَلِيٍّ أَوْ أَجْوَفَ يَائِيًّا كَمَا هُوَ رَأْيُ الزَّمَخْشَرِيِّ. وَبِذَلِكَ يَنْدَحِضُ تَرَدُّدُ أَبِي حَيَّانَ جَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ قِرَاءَةَ سَأَلَ لُغَةَ أَهْلِ الْحِجَازِ إِذْ قَدْ يَكُونُ لِبَعْضِ الْقَبَائِلِ لُغَتَانِ فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute