السُّؤَالِ لِأَنَّ السُّؤَالَ لَمْ يُحْكَ فِيهِ عَذَابٌ مُعَيَّنٌ وَإِنَّمَا كَانَ مُجْمَلًا لِأَنَّ السَّائِلَ سَأَلَ عَنْ عَذَابٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ، أَوِ الدَّاعِي دَعَا بِعَذَابٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ، فَحُكِيَ السُّؤَالُ مُجْمَلًا لِيُرَتَّبَ عَلَيْهِ وَصْفُهُ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ وَالتَّعْلِقَاتِ، فَيَنْتَقِلَ إِلَى ذِكْرِ أَحْوَالِ هَذَا الْعَذَابِ وَمَا يَحُفُّ بِهِ مِنَ الْأَهْوَالِ.
وَقَدْ طُوِيَتْ فِي مَطَاوِي هَذِهِ التَّعَلُّقَاتِ جُمَلٌ كَثِيرَةٌ كَانَ الْكَلَامُ بِذَلِكَ إِيجَازًا إِذْ حَصَلَ خِلَالَهَا مَا يُفْهَمُ مِنْهُ جَوَابُ السَّائِلِ، وَاسْتِجَابَةُ الدَّاعِي، وَالْإِنْبَاءُ بِأَنَّهُ عَذَابٌ وَاقِعٌ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ لَا يَدْفَعُهُ عَنْهُمْ دَافِعٌ، وَلَا يَغْرُّهُمْ تَأَخُّرُهُ.
وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ مِنْ قَبِيلِ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ لِأَنَّ مَا عُدِّدَ فِيهِ مِنْ أَوْصَافِ الْعَذَابِ وَهَوْلِهِ وَوَقْتِهِ هُوَ الْأَوْلَى لَهُمْ أَنْ يَعْلَمُوهُ لِيَحْذَرُوهُ، دُونَ أَنْ يَخُوضُوا فِي تَعْيِينِ وَقَتِهِ، فَحَصَلَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَعْنَى: أَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنِ الْعَذَابِ الَّذِي هُدِّدُوا بِهِ عَنْ وَقْتِهِ وَوَصْفِهِ سُؤَالَ اسْتِهْزَاءٍ، وَدَعَوُا اللَّهَ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْهِمْ عَذَابًا إِنْ كَانَ الْقُرْآنُ حَقًّا، إِظْهَارًا لِقِلَّةِ اكْتِرَاثِهِمْ
بِالْإِنْذَارِ بِالْعَذَابِ. فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ الْعَذَاب الَّذِي استهزأوا بِهِ وَاقِعٌ لَا يَدْفَعُهُ عَنْهُمْ تَأَخُّرُ وَقْتِهِ، فَإِنْ أَرَادُوا النَّجَاةَ فَلْيَحْذَرُوهُ.
وَقَوْلُهُ: مِنَ اللَّهِ يَتَنَازَعُ تَعَلُّقَهُ وَصْفَا واقِعٍ ودافِعٌ. ومِنَ لِلْابْتِدَاءِ الْمَجَازِيِّ عَلَى كِلَا التَّعَلُّقَيْنِ مَعَ اخْتِلَافِ الْعَلَاقَةِ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْوَصْفُ الْمُتَعَلَّقُ بِهِ.
فَابْتِدَاءُ الْوَاقِعِ اسْتِعَارَةٌ لِإِذْنِ اللَّهِ بِتَسْلِيطِ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ وَهِيَ اسْتِعَارَةٌ شَائِعَةٌ تُسَاوِي الْحَقِيقَةَ. وَأَمَّا ابْتِدَاءُ الدَّافِعِ فَاسْتِعَارَةٌ لِتَجَاوُزِهِ مَعَ الْمَدْفُوعِ عَنْهُ مِنْ مَكَانٍ مَجَازِيٍّ تَتَنَاوَلُهُ قُدْرَةُ الْقَادِرِ مِثْلُ مِنَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التَّوْبَة: ١١٨] وَقَوْلِهِ: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ
[النِّسَاء: ١٠٨] .
وَبِهَذَا يَكُونُ حَرْفُ مِنَ مُسْتَعْملا فِي تعْيين مجازين مُتَقَارِبَيْنِ.
وَإِجْرَاءُ وَصْفِ ذِي الْمَعارِجِ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ لِاسْتِحْضَارِ عَظَمَةِ جَلَالِهِ وَلِإِدْمَاجِ الْإِشْعَارِ بِكَثْرَةِ مَرَاتِبِ الْقُرْبِ مِنْ رِضَاهُ وَثَوَابِهِ، فَإِنَّ الْمَعَارِجَ مِنْ خَصَائِصِ مَنَازِلِ الْعُظَمَاءِ قَالَ تَعَالَى: لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ [الزخرف: ٣٣] . وَلِكُلِّ دَرَجَةِ الْمَعَارِجِ قَوْمٌ عَمِلُوا لِنَوَالِهَا قَالَ تَعَالَى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ [المجادلة: ١١] ، وَلِيَكُونَ مِنْ هَذَا الْوَصْفِ تَخَلُّصٌ إِلَى ذِكْرِ يَوْمِ الْجَزَاءِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْعَذَابُ الْحَقُّ لِلْكَافِرِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute