للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِاسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ كَقَوْلِهِ: اللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً [الرّوم: ٤٨] أَيْ يَوَدُّ لَوْ يَفْتَدِي بِأُمِّهِ، مَعَ شِدَّةِ تَعَلُّقِ نَفْسِهِ بِهَا إِذْ كَانَتْ تُؤْوِيهِ، فَإِيثَارُ لَفَظِ فَصِيلَتِهِ وَفِعْلِ تُؤْوِيهِ هُنَا مِنْ إِيجَازِ الْقُرْآنِ وَإِعْجَازِهِ لِيَشْمَلَ هَذِهِ الْمَعَانِيَ.

وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً عطف على بِبَنِيهِ، أَيْ وَيَفْتَدِي بِمَنْ فِي الْأَرْضِ، أَيْ وَمَنْ لَهُ فِي الْأَرْضِ مِمَّا يَعِزُّ عَلَيْهِ مِنْ أَخِلَّاءَ وَقَرَابَةٍ وَنَفَائِسِ الْأَمْوَالِ مِمَّا شَأْنُ النَّاسِ الشُّحُّ بِبَذْلِهِ وَالرَّغْبَةِ فِي اسْتِبْقَائِهِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ [آل عمرَان: ٩١] .

ومَنْ الْمَوْصُولَةُ لِتَغْلِيبِ الْعَاقِلِ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ مِنْهُمُ الْأَخِلَّاءَ.

وثُمَّ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ يُنْجِيهِ لِلتَّرَاخِي الرَّتَبِيِّ، أَيْ يَوَدُّ بَذْلَ ذَلِكَ وَأَنْ يُنْجِيَهُ الْفِدَاءُ مِنَ الْعَذَابِ، فَالْإِنْجَاءُ مِنَ الْعَذَابِ هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَ الْمُجْرِمِ فِي وِدَادَتِهِ وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ فِي قَوْلِهِ: يُنْجِيهِ عَائِدٌ إِلَى الِافْتِدَاءِ الْمَفْهُومِ مِنْ يَفْتَدِي عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [الْمَائِدَة: ٨] .

وَالْمَعْطُوفُ بِ ثُمَّ هُوَ الْمُسَبَّبُ عَنِ الْوِدَادَةِ فَلِذَلِكَ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُعْطَفَ بِالْفَاءِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ فِي مِثْلِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً [النِّسَاء: ٨٩] وَقَوْلُهُ: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [الْقَلَم: ٩] ، فَعَدَلَ عَنْ عَطْفِهِ بِالْفَاءِ هُنَا إِلَى عَطْفِهِ بِ ثُمَّ لِلدَّلَالَةِ عَلَى شِدَّةِ اهْتِمَامِ الْمُجْرِمِ بِالنَّجَاةِ بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ.

وَمُتَعَلِّقُ يُنْجِيهِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ.

وكَلَّا حَرْفُ رَدْعٍ وَإِبْطَالٍ لِكَلَامٍ سَابِقٍ، وَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُذْكَرَ بَعْدَهُ كَلَامٌ، وَهُوَ هُنَا لِإِبْطَالِ مَا يُخَامِرُ نُفُوسَ الْمُجْرِمِ مِنَ الْوِدَادَةِ، نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْكَلَامِ لِأَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ أَوْ

لِإِبْطَالِ مَا يُتَفَوَّهُ بِهِ مِنْ تَمَنِّي ذَلِكَ. قَالَ تَعَالَى: يَقُولُ الْكافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً

[النبأ:

٤٠] ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ بِالْوِدَادَةِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ [النِّسَاء: ٤٢] أَيْ يَصِيرُونَ مِنْ تُرَابِهَا.

فَالتَّقْدِيرُ: يُقَالُ لَهُ كَلَّا، أَيْ لَا افْتِدَاءَ وَلَا إِنْجَاءَ.

وَجُمْلَةُ إِنَّها لَظى اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَمَّا أَفَادَهُ حَرْفُ كَلَّا مِنَ الْإِبْطَالِ.

وَضَمِيرُ إِنَّها عَائِدٌ إِلَى مَا يُشَاهِدُهُ الْمُجْرِمُ قُبَالَتَهُ مِنْ مَرْأَى جَهَنَّمَ فَأَخْبَرَ