يَطْمَعُ عَنِ التَّظَاهُرِ بِالطَّمَعِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ [التَّوْبَة: ٦٤] أَيْ يَتَظَاهَرُونَ بِأَنَّهُمْ يَحْذَرُونَ.
وَأُسْنِدَ الطَّمَعُ إِلَى كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ دُونَ أَنْ يُقَالَ: أَيَطْمَعُونَ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، تَصْوِيرًا لِحَالِهِمْ بِأَنَّهَا حَالُ جَمَاعَةٍ يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ لِتَسَاوِيهِمْ، يَرَوْنَ أَنْفُسَهُمْ سَوَاءً فِي ذَلِكَ، فَفِي قَوْلِهِ: كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ تَقْوِيَةُ التَّهَكُّمِ بِهِمْ.
ثُمَّ بُنِيَ عَلَى التَّهَكُّمِ مَا يُبْطِلُ مَا فُرِضَ لِحَالِهِمْ بِمَا بُنِيَ عَلَيْهِ التَّمْثِيلُ التَّهَكُّمِيُّ بِكَلِمَةِ الرَّدْعِ وَهِيَ كَلَّا أَيْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ. وَذَلِكَ انْتِقَالٌ مِنَ الْمَجَازِ إِلَى الْحَقِيقَةِ وَمِنَ التَّهَكُّمِ بِهِمْ إِلَى تَوْبِيخِهِمْ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ لَمْ يَكُنْ تَهَكُّمًا.
وَهُنَا تَمَّ الْكَلَامُ عَلَى إِثْبَاتِ الْجَزَاءِ.
إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) .
كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا لِلِانْتِقَالِ مِنْ إِثْبَاتِ الْجَزَاءِ إِلَى الِاحْتِجَاجِ عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ إِبْطَالًا لِشُبْهَتِهِمُ الْبَاعِثَةِ عَلَى إِنْكَارِهِ، وَهُوَ الْإِنْكَارُ الَّذِي ذُكِرَ إِجْمَالًا بِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً [المعارج: ٦، ٧] فَاحْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِالنَّشْأَةِ الْأُولَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ [الْوَاقِعَة: ٦٢] فَالْخَبَرُ بِقَوْلِهِ: إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ مُسْتَعْمَلٌ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ وَهُوَ إِثْبَاتُ إِعَادَةِ خَلْقِهِمْ بَعْدَ فَنَائِهِمْ.
فَهَذَا مِنْ تَمَامِ الْخِطَابِ الْمُوَجَّهِ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنْ يَبْلُغَ إِلَى أَسْمَاعِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.
وَالْمَعْنَى: أَنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ حَتَّى صَارَتْ إِنْسَانًا عَاقِلًا مُنَاظِرًا فَكَذَلِكَ نُعِيدُ خَلْقَهُ بِكَيْفِيَّةٍ لَا يعلمونها.
فَمَا صدق (مَا يَعْلَمُونَ) هُوَ مَا يَعْلَمُهُ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَنَّهُ كُوِّنَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مِنْ نُطْفَةٍ وَعَلَقَةٍ، وَلَكِنَّهُمْ عَلِمُوا هَذِهِ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَأَلْهَاهُمُ التَّعَوُّدُ بِهَا عَنِ التَّدَبُّرِ فِي دَلَالَتِهَا عَلَى إِمْكَانِ إِعَادَةِ الْمُكَوَّنِ مِنْهَا بِتَكْوِينٍ آخَرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute