الزَّجَّاجِ وَابْنِ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً [الْأَنْعَام: ١٣٦] قَالَ الزَّجَّاجُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ جَعَلُوا لِلَّهِ نَصِيبًا وَلِشُرَكَائِهِمْ نَصِيبًا، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ قَوْلُهُمْ جَعَلَ مِنْ كَذَا وَكَذَا نَصِيبًا يَتَضَمَّنُ بَقَاءَ نَصِيبٍ آخَرَ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي حكم الأول اهـ.
وَهَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِإِجَابَةِ دُعَاءِ الْمُسْلِمِينَ الدَّاعِينَ فِي تِلْكَ الْمَوَاقِفِ الْمُبَارَكَةِ إِلَّا أَنَّهُ وَعَدَ بِإِجَابَةِ شَيْءٍ مِمَّا دُعُوا بِهِ بِحَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ أَحْوَالُهُمْ وَحِكْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِأَلَّا يَجُرَّ إِلَى فَسَادٍ عَامٍّ لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلِذَلِكَ نُكِّرَ (نَصِيبٌ) لِيَصْدُقَ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَأَمَّا إِجَابَةُ الْجَمِيعِ إِذَا حَصَلَتْ فَهِيَ أَقْوَى وَأَحْسَنُ. وكسبوا بِمَعْنَى طَلَبُوا، لِأَنَّ كَسَبَ بِمَعْنَى طَلَبَ مَا يَرْغَبُ فِيهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْكَسْبِ هُنَا الْعَمَل وبالنصيب نَصِيبُ الثَّوَابِ فَتَكُونُ (مِنْ) ابْتِدَائِيَّةً.
وَاسْمُ الْإِشَارَةِ مُشِيرٌ إِلَى النَّاسِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً لِلتَّنْبِيهِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ عَلَى أَنَّ اتِّصَافَهُمْ بِمَا بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ شَيْءٌ اسْتَحَقُّوهُ بِسَبَبِ الْإِخْبَارِ عَنْهُمْ بِمَا قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ اسْتَجَابَ لَهُمْ لِأَجْلِ إِيمَانِهِمْ بِالْآخِرَةِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ دُعَاءَ الْكَافِرِينَ فِي ضَلَالٍ.
وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ تَذْيِيلٌ قُصِدَ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ بِحُصُولِ الْإِجَابَةِ، وَزِيَادَةُ تَبْشِيرٍ لِأَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْقِفِ، لِأَنَّ إِجَابَةَ الدُّعَاءِ فِيهِ سَرِيعَةُ الْحُصُولِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْحِسَابَ هُنَا أُطْلِقَ عَلَى مُرَاعَاةِ الْعَمَلِ وَالْجَزَاءِ عَلَيْهِ.
وَالْحِسَابُ فِي الْأَصْلِ الْعَدُّ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى عَدِّ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُرَادُ الْجَزَاءُ عَلَيْهَا أَوْ قَضَاؤُهَا، فَصَارَ الْحِسَابُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَفَاءِ بِالْحَقِّ يُقَالُ حَاسَبَهُ أَيْ كَافَأَهُ أَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ حَقَّهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمَ الْحِسَابِ وَقَالَ تَعَالَى: إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي [الشُّعَرَاء: ١١٣] وَقَالَ جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً [النبأ: ٣٦] أَيْ وِفَاقًا لِأَعْمَالِهِمْ، وَهَاهُنَا أَيْضًا أُرِيدَ بِهِ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ وَإِيصَالُ الْمَوْعُودِ بِهِ، فَاسْتِفَادَةُ التَّبْشِيرِ بِسُرْعَةِ حُصُولِ مَطْلُوبِهِمْ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ لِأَنَّ إِجَابَتَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ حِسَابِ اللَّهِ تَعَالَى عِبَادَهُ عَلَى مَا وَعَدَهُمْ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْعُمُومُ.
وَالْمَعْنَى فَإِذَا أَتْمَمْتُمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ مَنَاسِكَ حَجِّكُمْ فَلَا تَنْقَطِعُوا عَنْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ بِتَعْظِيمِهِ وَحَمْدِهِ، وَبِالِالْتِجَاءِ إِلَيْهِ بِالدُّعَاءِ لِتَحْصِيلِ خَيْرِ الدُّنْيَا وَخَيْرِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَشْتَغِلُوا بِالتَّفَاخُرِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute