للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ [الْمَائِدَة: ٩٠] إِذِ التَّقْدِيرُ: فَاجْتَنِبُوا شُرْبَ الْخَمْرِ وَالتَّقَامُرَ بِالْمَيْسِرِ وَعِبَادَةَ الْأَنْصَابِ وَالِاسْتِقْسَامَ بِالْأَزْلَامِ.

وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ هُوَ الْمُعَنْوَنُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِإِضَافَةِ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ إِلَى الْأَعْيَانِ، أَوْ إِسْنَادِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ إِلَى الْأَعْيَانِ، وَلِوُضُوحِ دَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْمُرَادِ لَمْ يَعُدُّهُ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ مِنْ قَبِيلِ الْمُجْمَلِ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ.

وَقَدْ يُتَوَسَّلُ مِنَ الْأَمْرِ بِالتَّرْكِ إِلَى الْكِنَايَةِ عَنِ التَّحْقِيرِ وَقِلَّةِ الِاكْتِرَاثِ كَقَوْلِ كَبْشَةَ أُخْتِ عَمْرو بن معديكرب تُلْهَبُ أَخَاهَا عَمْرًا لِلْأَخْذِ بِثَأْرِ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ وَكَانَ قَدْ قُتِلَ:

وَدَعْ عَنْكَ عَمْرًا إِنَّ عَمْرًا مُسَالِمُ ... وَهَلْ بَطْنُ عَمْرٍو غَيْرُ شِبْرٍ لِمَطْعَمِ

وَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ ذَلِكَ الْأُسْلُوبِ أَيْ لَا تَكْتَرِثْ بِهِمْ فَإِنَّهُمْ دُونَ أَنْ تَصْرِفَ هِمَّتَكَ فِي شَأْنِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ [فاطر: ٨] .

وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَذَرْهُمْ لَا عَلَاقَةَ لَهُ بِحُكْمِ الْقِتَالِ، وَلَا هُوَ مِنَ الْمُوَادَعَةِ وَلَا هُوَ مَنْسُوخٌ بِآيَاتِ السَّيْفِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ.

وَالْخَوْضُ: الْكَلَامُ الْكَثِيرُ، وَالْمُرَادُ خَوْضُهُمْ فِي الْقُرْآنِ وَشَأْنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ.

وَاللَّعِبُ: الْهَزْلُ وَالْهُزْءُ وَهُوَ لَعِبُهُمْ فِي تَلَقِّي الدَّعْوَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَخُرُوجِهِمْ عَنْ حُدُودِ التَّعَقُّلِ وَالْجِدِّ فِي الْأَمْرِ لِاسْتِطَارَةِ رُشْدِهِمْ حَسَدًا وَغَيْظًا وَحُنْقًا.

وَجَزْمُ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا فِي جَوَابِ الْأَمْرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي ارْتِبَاطِ خَوْضِهِمْ وَلَعِبِهِمْ بِقِلَّةِ الِاكْتِرَاثِ بِهِمْ إِذْ مُقْتَضَى جَزْمِهِ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَدَّرَ: أَنْ تَذَرَهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا، أَيْ يَسْتَمِرُّوا فِي خَوْضِهِمْ وَلَعِبِهِمْ وَذَلِكَ لَا يَضِيرُكَ، وَمِثْلُ هَذَا الْجَزْمِ كَثِيرٌ نَحْوَ قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [الجاثية: ١٤] وَنَحْوَ وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الْإِسْرَاء: ٥٣] . وَبَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَالنَّحْوِيِّينَ يَجْعَلُ أَمْثَالَهُ مَجْزُومًا بِلَامِ الْأَمْرِ مُقَدَّرَةً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَقُولُ القَوْل وَهُوَ يفيت نُكْتَةَ الْمُبَالَغَةِ.