وَهَذَا وَعْدٌ بِخَيْرِ الْآخِرَةِ ورتب عَلَيْهِ وَعدا بِخَيْرِ الدُّنْيَا بِطَرِيقِ جَوَابِ الْأَمْرِ، وَهُوَ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ الْآيَةَ.
وَكَانُوا أَهْلَ فِلَاحَةٍ فَوَعَدَهُمْ بِنُزُولِ الْمَطَرِ الَّذِي بِهِ السَّلَامَةُ مِنَ الْقَحْطِ وَبِالزِّيَادَةِ فِي الْأَمْوَالِ.
والسَّماءَ: هُنَا الْمَطَرُ، وَمِنْ أَسْمَاءِ الْمَطَرِ السَّمَاءُ.
وَفِي حَدِيث «الْمُوَطَّأ» و «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ»
الْحَدِيثَ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ:
إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابًا
وَالْمِدْرَارُ: الْكَثِيرَةُ الدَّرِّ وَالدُّرُورِ، وَهُوَ السَّيَلَانُ، يُقَالُ: دَرَّتِ السَّمَاءُ بِالْمَطَرِ، وَسَمَاءٌ مِدْرَارٌ.
وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنْ يَتْبَعَ بَعْضُ الْأَمْطَارِ بَعْضًا.
وَمِدْرَارٌ، زِنَةُ مُبَالَغَةٍ، وَهَذَا الْوَزْنُ لَا تَلْحَقُهُ عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ إِلَّا نَادِرًا كَمَا فِي قَوْلِ سَهْلِ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِيِّ:
أَصْبَحَ يَهْوَى حُرَّةً مِعْطَارَةَ فَلِذَلِكَ لَمْ تُلْحَقُ التَّاءُ هُنَا مَعَ أَنَّ اسْمَ السَّمَاءِ مُؤَنَّثٌ.
وَالْإِرْسَالُ: مُسْتَعَارٌ لِلْإِيصَالِ وَالْإِعْطَاءِ، وَتَعْدِيَتُهُ بِ عَلَيْكُمْ لِأَنَّهُ إِيصَالٌ مِنْ عُلُوٍّ كَقَوْلِهِ: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ [الْفِيل: ٣] .
و (أَمْوَال) : جَمْعُ مَالٍ وَهُوَ يَشْمَلُ كُلَّ مَكْسَبٍ يَبْذُلُهُ الْمَرْءُ فِي اقْتِنَاءِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ.
وَالْمُرَادُ بِالْجَنَّاتِ فِي قَوْلِهِ: وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ النَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ، لِأَنَّ الْجَنَّاتِ تَحْتَاجُ إِلَى السَّقْيِ.
وَإِعَادَةُ فِعْلِ يَجْعَلْ بَعْدَ وَاوِ الْعَطْفِ فِي قَوْلِهِ: وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً لِلتَّوْكِيدِ اهْتِمَامًا بِشَأْنِ الْمَعْطُوفِ لِأَنَّ الْأَنْهَارَ قِوَامُ الْجَنَّاتِ وَتَسْقِي الْمَزَارِعَ وَالْأَنْعَامَ.