للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُ فِي أُصُولِ عَقِيدَةِ الْإِسْلَامِ وَلِذَلِكَ لَمْ نُكَفِّرْ مُنْكِرِي وُجُودِ مَوْجُودَاتٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ هَذَا النَّوْعِ إِذْ لَمْ تَثْبُتْ حَقِيقَتُهَا بِأَدِلَّةٍ قَطْعِيَّةٍ، بِخِلَافِ حَالِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ ذِكْرَ الْجِنِّ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِآيَاتِ ذِكْرِهِ.

وَأَمَّا مَا يُرْوَى فِي الْكُتُبِ مِنْ أَخْبَارٍ جُزْئِيَّةٍ فِي ظُهُورِهِمْ لِلنَّاسِ وَإِتْيَانِهِمْ بِأَعْمَالٍ عَجِيبَةٍ فَذَلِكَ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْخَيَالِيَّةِ.

وَإِنَّا لَمْ نَلْقَ أَحَدًا مِنْ أَثْبَاتِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَقِينَاهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ رَأَى أَشْكَالَهُمْ أَوْ آثَارَهُمْ وَمَا نَجِدُ تِلْكَ الْقِصَصَ إِلَّا عَلَى أَلْسِنَةِ الَّذِينَ يُسْرِعُونَ إِلَى التَّصْدِيقِ بِالْأَخْبَارِ أَوْ تَغْلِبُ عَلَيْهِمُ التَّخَيُّلَاتُ.

وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ وَلَكِنَّهُ مِمَّا يُضْرَبُ لَهُ مَثْلُ قَوْلِ الْمَعَرِّيِّ:

وَمِثْلُكِ مَنْ تَخَيَّلَ ثُمَّ خَالَا فَظُهُورُ الْجِنِّ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَارَاتٍ كَمَا فِي حَدِيثِ الْجِنِّيِّ الَّذِي تَفَلَّتَ لِيُفْسِدَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ

هُوَ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ مِثْلَ رُؤْيَتِهِ الْمَلَائِكَةَ وَرُؤْيَتِهِ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ فِي حَائِطِ الْقِبْلَةِ وَظُهُورِ الشَّيْطَانِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ زَكَاةِ الْفِطْرِ.

وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ الْجِنِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٠٠] ، وَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٧٩] .

وَالَّذِينَ أَمَرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِخَبَرِ الْجِنِّ: هُمْ جَمِيعُ النَّاسِ الَّذِينَ كَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَلِّغُهُمُ الْقُرْآنَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ أَرَادَ اللَّهُ إِبْلَاغَهُمْ هَذَا الْخَبَرَ لِمَا لَهُ مِنْ دَلَالَةٍ عَلَى شَرَفِ هَذَا الدِّينِ وَشَرَفِ كِتَابِهِ وَشَرَفِ مَنْ جَاءَ بِهِ، وَفِيهِ إِدْخَالُ مَسَرَّةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَتَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ إِذْ كَانَ الْجِنُّ قَدْ أَدْرَكُوا شَرَفَ الْقُرْآنِ وَفَهِمُوا مَقَاصِدَهُ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ لُغَتَهُ وَلَا يُدْرِكُونَ بَلَاغَتَهُ فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ، وَالَّذين جَاءَهُم بِلِسَانِهِمْ وَأَدْرَكُوا خَصَائِصَ بَلَاغَتِهِ أَنْكَرُوهُ وَأَعْرَضُوا عَنْهُ.

وَفِي الْإِخْبَارِ عَنْ اسْتِمَاعِ الْجِنِّ لِلْقُرْآنِ بِأَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ ذَلِكَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِذَلِكَ إِلَّا بِإِخْبَارِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِوُقُوعِ هَذَا الِاسْتِمَاعِ، فَالْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمْ بِحُضُورِ الْجِنِّ لِاسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ.

وَأَمَّا آيَةُ الْأَحْقَافِ [٢٩] وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ