للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِيثَارُ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: يَعْلَمُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى اسْتِمْرَارِ ذَلِكَ الْعِلْمِ وَتَجَدُّدِهِ وَذَلِكَ إِيذَانٌ بِأَنَّهُ بِمَحَلِّ الرِّضَى مِنْهُ.

وَفِي ضِدِّهِ قَوْلُهُ: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ [الْأَحْزَاب: ١٨] لِأَنَّهُ فِي مَعْرِضِ التَّوْبِيخِ، أَيْ لَمْ يَزَلْ عَالِمًا بِذَلِكَ حِينًا فَحِينًا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ حِصَّةٌ.

وأَدْنى أَصْلُهُ أَقْرَبُ، مِنَ الدُّنُوِّ، اسْتُعِيرَ لِلْأَقَلِّ لِأَنَّ الْمَسَافَةَ الَّتِي بَيْنَ الشَّيْءِ وَالْأَدْنَى مِنْهُ قَلِيلَةٌ، وَكَذَلِكَ يُسْتَعَارُ الْأَبْعَدُ لِلْأَكْثَرِ.

وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِفِعْلِ تَقُومُ، أَيْ تَقُومُ فِي زَمَانٍ يُقَدَّرُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَذَلِكَ مَا يَزِيدُ عَلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ زِدْ عَلَيْهِ [المزمل: ٤] .

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: ثُلُثَيِ بِضَمِّ اللَّامِ عَلَى الْأَصْلِ. وَقَرَأَهُ هِشَامٌ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ بِسُكُونِ اللَّامِ عَلَى التَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ عَرَضَ لَهُ بَعْضُ الثِّقَلِ بِسَبَبِ التَّثْنِيَةِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ بِخَفْضِهِمَا عَطْفًا عَلَى ثُلُثَيِ اللَّيْلِ، أَيْ أَدْنَى مِنْ نِصْفِهِ وَأَدْنَى مِنْ ثُلُثِهِ.

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ بِنَصْبِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ عَلَى أَنَّهُمَا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْمَفْعُولِ لِ تَقُومُ، أَيْ تَقُومُ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ، وَتَقُومُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَتَقُومُ ثُلُثَ اللَّيْلِ، بِحَيْثُ لَا يَنْقُصُ عَنِ النِّصْفِ وَعَنِ الثُّلُثِ. وَهَذِهِ أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي قِيَامِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ تَابِعَةٌ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ فِي طُولِ بَعْضِهَا وَقِصَرِ بَعْضٍ وَكُلُّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ التَّخْيِيرِ الَّذِي خَيَّرَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل: ٢] إِلَى قَوْلِهِ: أَوْ زِدْ عَلَيْهِ [المزمل: ٤] .

وَبِهِ تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ تَعْقِيبِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ الْمُعْتَرِضَةِ، وَهِيَ جُمْلَةُ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ أَيْ قَدْ عَلِمَهَا اللَّهُ كُلَّهَا وَأَنْبَأَهُ بِهَا. فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَقْصُودُ بِاخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ. فَمِنَ الْعُجَابِ قَوْلُ الْفَرَّاءِ أَنَّ النَّصْبَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ.

وطائِفَةٌ عَطْفٌ عَلَى اسْمِ إِنَّ بِالرَّفْعِ وَهُوَ وَجْهٌ جَائِزٌ إِذَا كَانَ بَعْدَ ذِكْرِ خَبَرِ إِنَّ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ رَفْعُهُ حِينَئِذٍ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التَّوْبَة: ٣] . وَهُوَ مِنَ اللَّطَائِفِ إِذَا كَانَ اتِّصَافُ الِاسْمِ وَالْمَعْطُوفِ