للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ لِنَسْخِ تَحْدِيدِ الْقِيَامِ إِلَّا تَنْوِيهًا بِهِمَا لِأَنَّ فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَعْذَارِ مَا هُوَ أَشْبَهُ بِالْمَرَضِ، وَدَقَائِقُ الْقُرْآنِ وَلَطَائِفُهُ لَا تَنْحَصِرُ.

رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ «أَيُّمَا رَجُلٍ جَلَبَ شَيْئًا إِلَى مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ الْمُسْلِمِينَ مُحْتَسِبًا فَبَاعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةُ الشُّهَدَاءِ، وَقَرَأَ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: «مَا خَلَقَ اللَّهُ مَوْتَةً بَعْدَ الْمَوْتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ بَيْنَ شُعْبَتَيْ رَحْلِي أَبْتَغِي مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ضَارِبًا فِي الْأَرْضِ» .

فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا نَزَلَ بِمَكَّةَ فَفِيهَا بِشَارَةٌ بِأَنَّ أَمْرَ الْمُسْلِمِينِ صَائِرٌ إِلَى قَتَرَةٍ عَلَى عَدُوِّهِمْ وَإِنْ كَانَتْ مَدَنِيَّةً فَهِيَ عُذْرٌ لَهُمْ بِمَا عَرَضَ لَهُمْ.

وَمَعْنَى يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَسِيرُونَ فِي الْأَرْضِ.

وَحَقِيقَةُ الضَّرْبِ: قُرْعُ جِسْمٍ بِجِسْمٍ آخَرَ، وَسُمِّيَ السَّيْرُ فِي الْأَرْضِ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ لِتَضْمِينِ فِعْلِ يَضْرِبُونَ مَعْنَى يَسِيرُونَ فَإِنَّ السَّيْرَ ضَرْبٌ لِلْأَرْضِ بِالرِّجْلَيْنِ لَكِنَّهُ تُنُوسِيَ مِنْهُ مَعْنَى الضَّرْبِ وَأُرِيدَ الْمَشْيُ فَلِذَلِكَ عُدِّيَ بِحَرْفِ فِي لِأَنَّ الْأَرْضَ ظَرْفٌ لِلسَّيْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ [آل عمرَان: ١٣٧] وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [١٠١] .

وَالِابْتِغَاءُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ طَلَبُ الرِّزْقِ قَالَ تَعَالَى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [الْبَقَرَة: ١٩٨] أَيْ التِّجَارَة فِي مُدَّة الْحَجِّ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ مُرَادٌ بِالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ فِيهِ السَّفَرُ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ السَّيْرَ فِي الْأَسْفَارِ يَكُونُ فِي اللَّيْلِ كَثِيرًا وَيَكُونُ فِي النَّهَارِ فَيَحْتَاجُ الْمُسَافِرُ لِلنَّوْمِ فِي النَّهَارِ.

وَفُرِّعَ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا فُرِّعَ عَلَى الَّذِي قبله فَقَالَ: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ أَيْ مِنَ الْقُرْآنِ.

وَقَدْ نِيطَ مِقْدَارُ الْقِيَامِ بِالتَّيْسِيرِ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْأَعْذَارُ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ اقْتَضَتْ رَفْعَ وُجُوبِ قِيَامِ اللَّيْلِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ إِنْ كَانَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلُ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ، أَو بَيَان لَمْ يُوجَبْ عَلَيْهِمْ وَكَانُوا قَدِ الْتَزَمُوهُ فَبَيَّنَ